مالك بن نبي وانتشار التطرف والإرهاب

حكيم بوغرارة
18 نوفمبر 2015

في الوقت الذي تسيطر فيه الحروب والصراعات والمصالح الضيقة وانتشار المد الإرهابي، تبقى الحلول مركزة على الجانب العسكري والاقتصادي مع إهمال كلي لاقتراحات المثقفين ورجال الدين، الذين ينادون بترجيح العقل وتسبيق الأمور الروحية عن الأمور المادية للحفاظ على الإنسان والتقليل من الصراعات وتجنب إثارة الفتن والحزازات، التي باتت تهدد المعمورة بأكملها.
أكد مالك بن نبي في وصفه لما يحدث في البشرية من انفصام في كتابه “مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي” بأن الثقافة البشرية نموذجا، موضحا “هناك ثقافة سيطرة ذات جذور تقنية، وثقافة حضارة ذات جذور أخلاقية وغيبية”.
 واسقط نفس الكاتب هذه الفكرة على الواقع ليقول “...بالإجمال فإن أوروبا ركبت في مضمون ثقافتها مزيجا من الأشياء، والأشكال من التقنية والجمالية، بينما الشرق الإسلامي ركب في ثقافته مزيجا من فكرتين: “الحقيقة والخير”.
واستشرف مالك بن نبي المستقبل في زمانه، من خلال قوة ملاحظاته وربطه بين الأمور، حيث قال “...هذه الخطة لا تتوافق مع مرحلة معينة من التاريخ فحسب، بل مع كافة مراحله التي يتداول كرقاص الساعة في دقاته المزدوجة، صعود الحضارة العالمية إلى القمة وهبوطها إلى الحضيض”.
وفي سياق متصل كشف مالك بن نبي”فحينا تكون القمة لثقافة من تلك الثقافتين والحضيض للأخرى، وحينا يكون العكس، وبينهما في المراحل الوسيطة نسجل فترات إخصاب متبادل يكتنفها لحظات اختلاط في البابليات التاريخية كما هو عصر بابل القرن العشرين”، وقال “تلكم هي الحضارة في أحيانها وتقلباتها، تكون في الأوج حضارة تتركز فيها الأشياء حول فكرة حينا، وحينا تبلغ الأوج حضارة أخرى تتركز فيها الأفكار حول الشيء”.
ويظهر أن ما يحدث في عالمنا اليوم هو كثرة الاهتمام بالمادة والمصالح الاقتصادية للشركات المتعددة الجنسيات والسلاح، بينما تبقى الدعوات للسلام والدبلوماسية والأفكار التي تدعو للتعايش والتسامح في الحضيض، فكم من دعوات لحل الأزمات في ليبيا وسوريا واليمن التي بقيت مجرد أكاذيب وتلاعبات بعقول الشعوب، بينما يعكس الواقع سيطرة تجار السلاح والحروب على شيء.
وتحدث مالك بن نبي في ذات الكتاب، عن واقع المجتمعات الغربية، التي قال عنها “..فالفكر الغربي يجنح أساسا إلى الدوران حول مفهوم الوزن والكم، وهو عندما ينحرف نحو المغالاة فهو يصل حتما المادية في شكليها: الشكل البرجوازي للمجتمع الاستهلاكي، والشكل الجدلي للمجتمع السوفياتي”. وقال حول واقع المجتمعات الإسلامية “...وحينما يكون الفكر الإسلامي في أفوله ـ كما هو شأنه اليوم ـ فإن المغالاة تدفعه إلى التصوف، والمبهم والغامض، وعدم الدقة، والتقليد الأعمى، والافتتان بأشياء الغرب”. وعلق على هذا الواقع الذي يشبه حالنا اليوم “لكن هذا ليس مداره الأصلي، ففي الأصل حينما أعطاه القرآن اندفاعه الأولي اتخذ الفكر الإسلامي مداره أساسا حول فكرة واحدة، تكون حينا (حب الخير) وحينا (كره الشر) تلكم هي رسالة الفكر الإسلامي”.     
وعليه فمالك بن نبي يؤكد أن التركيز على العالم المادي والسعي وراء المال الذي أنتجته الإيديولوجيات الرأسمالية المتطرفة، والتي تفضل حل الأزمات بالأزمات دون أن تأبه للنتائج المترتبة عن ذلك، فهي تهدف في الأساس إلى قتل الأخر إلى محوه كحلم كابوس، ليتفطن في الأخير بأنه يدمر نفسه لأنه وبكل بساطة ليس هو خالق الإنسان ولا خالق الكون ولا يحق لأحد محاسبة البشر أو الحكم عليهم، لأن ذلك ليس من صلب الرسالة التي حملها الإنسان”.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024