مرة أخرى الإرهاب يحمل جنونه ويضرب بقوة أرض الاليزيه، مختصرا المسافات من الشام وبغداد، لتأكيد منطقه وماركته الإجرامية العابرة للقارات، تاركا الشعوب في حيرة باختلاف ألوانها وأجناسها، كأنه يقول فكوا حصاركم عن مجرميهم الدواعش في سوريا والعراق وهم تحت نوازل وصواعق القوات الروسية.
باريس تحت صدمة لم تشهدها منذ حربها مع النازية، ساعات قلائل وعلى بضعة أمتار كانت التفجيرات قاب قوسين وأدنى من تواجد الرئيس الفرنسي هولاند داخل الملعب، الإرهاب يترصد لفريستة بكل الأشكال ومختلف المواعيد، إلى أن زلزلت الأرض زلزالها، وأوقفت فرنسا نبضها، الداعي للأمن والآمان. لم يمض عن حادثة «شارل ايبدو» إلا أشهر قليلة.. فكان الرد أكبر بكثير مما كانت أوروبا جميعها تخشاه وتتوقعه.
إذا كانت العملية من تدبير التنظيم الإرهابي داعش حسب بيان تبنى فيه هذا الأخير العملية، فلا شك أنها تحمل العديد من الإيحاءات والرسائل لأوروبا وعن طريقها العالم برمته، حيث يمكن تلخيص محصلات عمليات التفجير في، أن فرنسا ليست في منأى عن أي عمل إرهابي وهذا ما يؤكد أنها موطن الخلايا الجهادية النائمة، مما يتوجب على دول الجوار حالة الاستنفار القصوى خوفا من تسلل هذا البقايا إلى أراضيهم ناهيك عن الدور الذي لعبته فرنسا أثناء شنها عملية عسكرية وحيدة ولوحدها دون الحلفاء، حجتها ملاحقة هذه الأفول الإجرامية وهذا كان يتزامن مع الطلعات الجوية الروسية لمحاربة داعش في سوريا، مما خلق نوعا من الحقد المتزايد لفرنسا وهذا تفسير يمكن أن يأتي في سياق التفكير الانتقامي لدى الجهاديين، ومن جهة أخرى يمكن أن يكون أيضا ممارسة حق الفيتو الإرهابي بليّى ذراع فرنسا كي تتدخل لوقف ماتقوم به القوات الروسية في دك مواطن الإرهاب.
إن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو انحصار أماكن التفجيرات في الشوارع التي تحمل أسماء لكبار المثقفين والفلاسفة ورواد الفكر والمدارس الكلاسيكية في الأدب الفرنسي، فمثلا شارع لافونتين، شارع الفيلسوف فولتير وشارع الشاعر ألبير ثم مسرح باتاكلان، فما تعني هذه المفارقات في لغة الجهاديين؟
إصابة الأوطان في العقيدة الجهادية الداعشية وتشريد الإنسانية، لن يكون إلا عن طريق حضاراتها ورموزها، وهو السيناريو الذي دأبت عليه داعش محاولة، محو حضارة دجلة والفرات وتاريخ حمورابي بالعراق، هو نفس الأسلوب الذي تم من خلاله سرقة وتدمير المعابد وحضارة تدمر بسوريا. فهل داعش تملك رصيدا ثقافيا أم أنها الأجندة الغربية هي من تقف وراء استهداف ذلك؟ أم هي الصدف الغرائبية؟ أم هي المواعيد من تحدد الأماكن والأهداف؟