لم يعد من خيار أمام المؤسسة الاقتصادية الجزائرية سوى الانتقال إلى مستوى متقدم على مسار الاستثمار المنتج لمواجهة تداعيات تنافسية الأسواق وإنجاز عمليات التصدير خارج المحروقات التي لا يزال دورها الاقتصادي في الصدارة ليس من باب الريع المالي لكن كأحد المحركات للقطاعات التي يعول عليها كالفلاحة والصناعة والتكنولوجيات الجديدة.
حقيقة لا تزال بعض الجوانب التنظيمية تتطلب معالجة سريعة باعتماد معايير أكثر مرونة تعمق من مقاربة تحسن مناخ الاستثمار كما هو الحال بالنسبة لأنظمة التمويلات البنكية وضبط السوق والانتهاء من الأنشطة الموازية، غير أن هناك مكاسب عديدة تحققت لفائدة المؤسسة الجزائرية مثلما يكرسها مشروع قانون المالية 2016 وقبله قانون المالية التكميلي 2015 اللذين يضعان الاستثمار في الصدارة لبناء اقتصاد إنتاجي ومتنوع.
ضمن هذا التوجه الذي أكدته الثلاثية المنعقدة ببسكرة فقد اتضحت معالم قرارات اتخذتها الدولة من أجل تأمين تجاوز المنعرج والإمساك بخيوط المنظومة الاقتصادية في المديين القصير والمتوسط، ويتعلق الأمر بتعميق ترشيد الإنفاق وحوكمة التسيير وتوسيع مساحة الشراكة الوطنية والأجنبية الجادة التي تستجيب للاحتياجات الوطنية بعيدا عن السقوط في “هيستيريا” مؤشرات أسعار برميل البترول تسعى بعض الأوساط للاستثمار فيها لأهداف لا تخدم الاقتصاد الوطني من خلال تسويق خطاب سلبي والترويج للضبابية والتشكيك. في هذا الإطار فإن التأكيد على ضوابط قاعدة 51/49 والشفعة يهدفان في الجوهر إلى حماية السوق الاستثمارية من أي غش أو تلاعب محتملين في ضوء تجارب سابقة وتأمين للمتعاملين الجادين الذين تحذوهم الثقة في السوق الجزائرية ذات المميزات التنافسية الرائدة إقليميا وجهويا. ويمكن للمتعاملين الوطنيين خاصة القطاع الخاص الاحترافي المساهمة بشكل ناجع في جذب شركاء لديهم قناعة استثمارية مباشرة لا تعطلها إشاعة هنا أو قراءة سلبية للمؤشرات هناك في وقت تتجسد فيه مشاريع إنتاجية في أكثر من قطاع كما هو الشأن في الصناعة والبناء والنقل. وينتظر أن تشمل ديناميكية استقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر على ما يطبعها من تريث البعض وحذر البعض الآخر قطاع الفلاحة والصناعة التحويلية الغذائية خاصة على مستوى المحيطات الزراعية في الهضاب العليا والجنوب حيث يمكن إنجاز مشاريع عملاقة تديرها مؤسسات مختلطة وطنية وأجنبية يمكن تركيبها إذا ما أبدى الطرف المحلي خاصة صاحب الرأسمال الوطني الخاص عزيمة على رفع التحدي والقناعة الراسخة بان المعركة الاستثمارية مهمة وطنية تتطلب الاندماج في المسار الذي يتطلبه الظرف الراهن بكل تحدياته ورهاناته، خاصة وان الإمكانيات والفرص والضمانات قلما توفرها أسواق منافسة أخرى. ومن أبرز الإمكانيات المحفزة التمويلات البنكية الجاهزة لمرافقة المشاريع الواضحة وذات الأهداف الدقيقة المتطابقة مع معطيات السوق المحلية وقدرات التوجه للتصدير نحو أسواق خارجية على مستوى منطقة المغرب العربي وإفريقيا وحتى بعض الوجهات الأوروبية وبالشرق الأوسط. لكن بقدر ما يعول على المنظومة البنكية للرفع من وتيرة الاستثمار فإن تأمين مسارات القروض لمنع أي انزلاق باتجاه مساحة الفساد الذي يتربص بالقدرات المالية الوطنية يمثل التحدي الأكبر، بكل ما يتطلبه الأمر من يقظة ومتابعة للمشاريع في الميدان، بحيث لا يكون البنك مجرد صندوق يمنح المال إنما كشريك كامل معني بكل التفاصيل الاستثمارية.
فرص وضمانات
سعيد بن عياد
14
نوفمبر
2015
شوهد:473 مرة