قطرة غيث

فضيلة دفوس
03 نوفمبر 2015

يبدو أنّ انخراط روسيا عسكريا في سوريا غيّر المعطيات على الأرض، وقلب الموازين وأعطى قوّة جذب نحو الحلّ السّياسي، الذي اتّفق عليه الجميع في أوّل وأهمّ اجتماع ضمّ الجمعة الماضية بالعاصمة النّمساوية فيينا، الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي و١٧ دولة بينها ــ ونقولها صراحة ــ دول كانت وراء تحويل شعلة “الثّورة” السّورية في ربيع ٢٠١١ إلى كتلة من لهب امتدّت ألسنتها الحارقة لتلسع الجوار، ووصلت آثارها إلى أوروبا من خلال أمواج اللاّجئين، الذين تدفّقوا عليها فجأة كالسّيل الجارف، ما شكّل صفعة قويّة للقارّة العجوز التي تحسّست لأوّل مرّة آثار الأزمة وهي تحطّ الرّحال بديارها، فانتفضت مسرعة للبحث عن مخرج حقيقي يوقّف الزّحف البشري نحوها، واقتنعت أخيرا بضرورة التّعجيل بإعادة الأمن والإستقرار إلى سوريا الجريحة حتى يعود أبناؤها إلى حضنها.
التّدخّل الرّوسي وتسونامي اللاّجئين، كانا إذن بمثابة الكابوس الذي أيقظ الجميع على الواقع السّوري المفزع، فحصلت ما يمكن أن أسمّيها المعجزة، وتحقّق الإجماع الدّولي الذي ظلّ مغيّبا عن قصد طيلة أربعة أعوام ونصف من الحرب المدمّرة، لتلتقي الأضداد كلّها بفيينا، ولأوّل مرّة تضع رؤاها المتناقضة، وأجنداتها المهدّمة جانبا، وتتحدّث بصوت واحد وبلغة هادئة عن الحلّ السّياسي دون غيره، وتتّفق على حتمية إطلاق مفاوضات جدّية بين النّظام السّوري ــ الذي لم تكن تطيق حتى ذكر اسمه ــ والمعارضة، تقود إلى تشكيل حكومة جامعة وإلى وضع دستور جديد وإجراء انتخابات مع التّشديد على صيانة وحدة سوريا ووقف القتال بها.
والملفت للانتباه، بل ما يدفع للتّفاؤل بقرب دخول الأزمة في بلاد الشّام مرحلة العدّ العكسي، أنّ الإجتماع الذي ضمّ إيران لأوّل مرّة إلى جانب القوى العالمية والإقليمية، لم يعترض على مشاركة الرّئيس السّوري بشار الأسد في المرحلة الإنتقالية، وهذا تغيّر جذري في المواقف، حيث أنّ الجميع كان يعتبر الأسد خارج كلّ حلّ.
كما أنّ بان كي مون قالها صراحة بأنّه لا يجب رهن السّلام في سوريا بمصير شخص، وشدّد على أنّ الشّعب السّوري هو من يقرّر مصير رئيسه، وهو نفس الكلام الذي قاله الأسد قبل أيّام، عندما صرّح بجاهزيّته لتنظيم انتخابات بعد القضاء على الإرهاب، وربط مشاركته فيها برغبة الشّعب، وهو قول منطقي، إذ أنّ اختيار الرّؤساء من صلاحيات الشّعوب وليس غيرها.
سقطت قطرة الغيث الأولى، ما يعني أنّ الإنفراج قادم إلى سوريا، ولا يهم إن بقي الأسد أو رحل، فالمهم هو إنقاذ بلاد الشّام من حرب مدمّرة خلّفت مئات الآلاف من الضّحايا والنّازحين والمهجّرين، والخسائر المادية الفادحة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024