لاشك أن الكثير من القراء والمتتبعين، الذين غرفوا من المدرسة الجزائرية من جيل السبعينيات ومنتصف الثمانينيات، يحتفظون بمخيلتهم الثقافية والتعليمية بتلك النصوص الأدبية الجزائرية في كتبنا المدرسية، حيث تشغل نصف صفحاتها، سواء أكانت شعرا أم نثرا.. مقالة أو مقالا... ومن خلالها عرفنا مولود فرعون وعرفنا “دار السبيطار” النص الأدبي وأبطاله، قبل أن نشاهده في فيلم “الحريق” لمحمد ديب، وعرفنا “ريح الجنوب” للروائي عبد الحميد بن هدوقة من خلال درس اللغة العربية والنحو، قبل مشاهدته بالأسود والأبيض فيلما في الشاشة، وعرفنا الطاهر وطار ورشيد بوجدرة وميموني، الركيبي، رضا حوحو، محمد مصايف، محمد العيد آل خليفة وغيرهم من رواد الأدب والثقافة...
كل هذه الأسماء، عرفناها في المدرسة الجزائرية، إلى جانب كبار كتاب الأدب العربي مثل طه حسين والعقاد وحافظ إبراهيم وشوقي وإبراهيم ناجي وفدوى طوقان وجبران وميخائيل نعيمة... وغيرهم من الأسماء الأخرى التي رافقتنا نصوصهم في مسارنا الدراسي، إلى أن كبرنا ومازالت عالقة بالذاكرة، شربنا من معالمها وحفظنا كل ما جادت به قريحة الكتابة والقراءة والنحو والإعراب وشرح المفردات.. مازالت تلك الثروة اللغوية والأدبية شاهدة على عطاءات تلك المرحلة.
ما نقف عليه اليوم لموضوع الكتاب المدرسي وتغييب أو غياب النص الأدبي الجزائري فيه، ليعد مأساة كبرى، خاصة ونحن أمام جيل يستعمل كل أنواع تكنولوجيات الاتصال، لديه قدرة عجيبة في التعامل مع هذه التقنيات.
فكيف لنا دفعه إلى نصوص مأخوذة من الأنترنت دون معرفة مصدرها، ولا صاحبها، ثم نضعها دروسا نموذجية لهم في مرحلة تعد من أهم المراحل الخصبة للناشئة... كل هذا التسيب الثقافي والتربوي حتما ستكون عواقبه وخيمة في التحصيل العلمي، ليحلينا إلى طرح العديد من الأسئلة المحيرة،
ماذا نريد من جيل لا يعرف جنسية نصوصه الأدبية... ولا يعرف أن كاتبا في أقصى جنوبنا أو شرقنا أو في أي منطقة كانت، نال جوائز أدبية وكتاباته تدرس بمشرق الأرض ومغربها؟
ماذا نريد من جيل لم يتطلع إلى معرفة مؤرخيه وكتابه وشعرائه وأدباء وطنه؟
ماذا نريد من مدرسة لا تهتم بتدريس كتب أبنائها الذين كانوا بالأمس أطفالا وهم خريجو هذه المؤسسات التربوية؟
الهوية تبدأ من هنا... والبحث عن تاريخنا يبدأ في الكتاب المدرسي، نتوغل فيه، نحاكيه ونجالسه... كي نعرف حقيقتنا التائهة ونفك طلاسم الحلقة المفقودة.
هو انشغال يجب أن يأخذ حقه من الدراسة... وإعادة النظر وقد أثلج صدرنا حرص رئيس الجمهورية على هذا الاهتمام وكذلك الوزير الأول سلال أثناء افتتاحه صالون الكتاب في طبعته العشرين، عندما شدد على إعادة الوجه الحقيقي للكتاب المدرسي وللكاتب والمؤرخ الجزائري، حتى يدرك أطفالنا كينونتهم ومنبعهم من خلال النصوص الوطنية التي يستوجب على القائمين أخذها بعين الاهتمام، حتى يستقيم جيل أطفالنا المعرفي من خلال حضور نصوص أبناء وطنه وكتابه.