محطة أخرى نقف عندها، للتذكر واستخلاص العبر من تاريخ نوفمبرنا الحافل بالأمجاد والبطولات.. تضحيات كلفتنا قوافل من الشهداء والآلاف في عداد المفقودين، إلى غاية كتابة هذه الأسطر لم يظهر عنهم أي خبر.. وآخرون حولوا وهجروا إلى كيانات معزولة في الضفة البعيدة من المتوسط، كما فعلت بالمبعدين في كاليدونيا وغيرها.
استعمار غاشم، ظل يمارس تجبره، مسلطا جبروته واستبداده، على شعب أعزل، محاولا طمس هويته وكينونته.. إلا أن محاولاته باءت بالفشل أمام مقاومة الأشاوس من الرجال والصناديد.
حرب كان نوفمبر فاتحها الأسطوري، بكل ما تحمله الكلمة من معاني خالدة.. لأنه ببساطة كسر مقولة ظل العدو يرددها دوما «فرنسا لا تهزم».. فسرعان ما أثبت أبناء جيل نوفمبر تسلحهم بإيمان القدرة الإلهية وأسقطوا هذه الطغمة الجائرة إلى الآبد.
نوفمبر محطة لتجسيد وكتابة تاريخنا الماجد والحافل بالعطاءات، لذا يتطلب منا تجنيد كل طاقاتنا وأفكارنا لكتابة تاريخ هذه المرحلة الكبرى.. ووضعها أمانة للمؤرخين والمهتمين ممن يمتلكون أدوات وآليات التأريخ للمادة التاريخية، التي تعتبر صمام الأمان بين ماضينا ومستقبلنا الذي نضطلع لاستشرافه.. والمحافظة على مادته التي تعد أمانة في أعناقنا جميعا.
وقد يبدأ تلقين هذه الدروس للناشئة مع ذكر المعارك والمواقع.. وذكر المجاهدين الأحياء منهم والشهداء.. ورسم معالم الوطن برمته انطلاقا من أنه قاد أعظم حرب في تاريخه الحديث.
المسؤولية تتطلب منا الحرص على توثيق كل ما من شأنه، تزويد الذاكرة الجماعية والمساهمة في بعثها ومرافقتها.. والواجب يتطلب أيضا المطالبة باستعادة أرشيفنا الأسير في فرنسا.. فمتى يتحرر ويطلق سراحه ؟
نوفمبر محطة أخرى للترحم على أرواح أولئك الذين حملوا المشعل.. غير مبالين ولا مبدلين ممن اختاروا الشهادة عن الحياة... حالمين بوطن أفضل.. بوطن تخشاه الأمم.
سيظل الوطن أكبر من خلافاتنا وتفاهاتنا وصبيانية القليل فينا.. سيظل الوطن سؤددا في الأعالي، وكبيرا في أحلامنا وصغيرا في خيباتنا.. سيظل الوطن أكبر أبناء وطني .. وطن يمنحنا عافية الليل والصباح... أفيقو بنو أمي هذا نوفمبر يناديكم..ياو عليكم.. عافية...
