يرمز اليوم الوطني للصحافة الجزائرية الموافق لـ22 أكتوبر، لمسيرة طويلة تمتد منذ سنوات ثورة التحرير. ففي هذا التاريخ من سنة 1955 صدرت جريدة «المقاومة» لتحمل قيم مناهضة للاحتلال والدفاع عن الكرامة وهوية الأمة. ولا تزال نفس الرسالة متواصلة اليوم، لكن على جبهة أخرى تتعلق بمواجهة العولمة والصراع القوي على الموارد الاقتصادية والأسواق والكفاءات البشرية التي تصنع الفارق.
خاضت الصحافة، التي يرجع تاريخها إلى بدايات مقارعة الاستعمار وتميزت خاصة بأداء مؤثر بعد الحرب العالمية الثانية، فكانت دوما في صميم الخيارات السياسية للأمة والحرص على تمكين الرأي العام الوطني والمحلي من الاطلاع على ما يدور حوله وإدراك ما يجري بمحيطه تحسبا للمستقبل الذي يحمل باستمرار تحديات أغلبها ذات طابع مصيري تستوجب من ممارسي مهنة الصحافة، على اختلاف التوجهات الإيديولوجية والانتماءات السياسية والحزبية والولاءات، التزام خطّ سير وطني يقود إلى حتمية الدفاع عن المصالح العليا للوطن والرد على كل ما يستهدف مكاسب الشعب وعناصر هويته الأصيلة في زمن لاتزال فيه إرادة الهيمنة وعرقلة تطور الشعوب، خاصة حديثة الاستقلال.
لاتزال الصحافة في الجزائر على امتداد مختلف المراحل التي مر بها المجتمع تلعب دورها، بالرغم من تداعيات المحيط الذي يستوعب كافة التوجهات في ظل ما يجري في أكثر من منطقة، خاصة بالجوار وبالذات الساحل والصحراء، جراء الفوضى التي كرّستها قوى عالمية نافذة انفردت بصياغة النظام العالمي الجديد.
ويتضاعف دور الصحافة في مثل هذه الظروف دون الإخلال بوظيفتها الأصلية لتدفع بمسار بناء الجدار الوطني الداخلي وتعزيزه من أجل صد كل خطر محتمل، من خلال وضع الرأي العام في صورة الأحداث وتفكيك خيوطها في شكل جديد من أشكال مقاومة النفوذ وإحباط كل ما يدبّر في عواصم ومخابر بالخارج، تضع بلادنا في عين الإعصار، خاصة موجات التغليط والاستفزاز والتوجيه المغرض للأحداث وكافة محاولات التشويش على القرار السيادي ومتطلبات الأمن الشامل للمجتمع.
ضمن هذا التوجه، تكتسي الصحافة الجزائرية - بغض النظر عن مواقف تعكس الوقوع في انزلاقات أو تهور أو تردد وانغماس - طابع الجرأة والإقدام، بالرغم من حداثة التجربة، مستمدة تلك الروح من مرجعيتها التاريخية بعنوان المقاومة التي ترمز لدلالات قوية تضع الكلمة الحرة والمسؤولة في الواجهة كقاسم مشترك دون أن يضر بقيم الديمقراطية والتعددية التي عززت مكاسب المجتمع.
وانطلاقا من هذا الرصيد، يتطلب الوضع القائم في الميدان، تسجيل وقفة للتقييم واستخلاص العبر، خاصة في مثل هذا اليوم، من أجل إعطاء دفع جديد لمسار الاحترافية التي تتطور وباستمرار، خاصة بتطور المجتمعات وأدوات الاتصال ذات الطابع التكنولوجي. فقد حان الوقت لأن تنخرط الصحافة في الديناميكية الوطنية كشريك إيجابي، خاصة في هذه اللحظة المميزة بمنعرج اقتصادي محفوف بالمخاطر،يستلزم التفافا واسعا حول الإرادة الوطنية لتجاوز المرحلة الصعبة.
يتعلق الأمر هنا، بإدراك الصحافة لأهمية الأمن الاقتصادي أيضا والذي يكتسي طابعا حساسا يرتبط مباشرة بالأمن الوطني الشامل. ولذلك، من الأهمية بمكان أن تحرص الصحافة على التعامل مع المعلومة الاقتصادية الجوهرية بكثير من اليقظة والذكاء، في وقت يسجل فيه وجود ما يشبه فجوة إعلامية نتيجة غياب التزام تجاه التعاطي مع المعلومة الاقتصادية الاستراتيجية بفعل جرعة زائدة من الحرية، مما يضع الاقتصاد الوطني عامة والمؤسسة الجزائرية في كل القطاعات في حال انكشاف أمام الشركاء وأصحاب النفوذ في الأسواق العالمية، فيلحق ضرر معتبر بالمركز التفاوضي. في هذا المجال بالذات، يكمن لبّ إشكالية الصحافة في الحفاظ على أدائها من جانب بكل حرية وبعيدا عن أي تبعية عمياء للفاعلين في الساحة من لوبيات وجماعات ضغط ومراكز نفوذ، ومن جانب آخر الحيطة من السقوط في خدمة أطراف أجنبية بالخصوص ترتكز على المعلومة المحلية في وضع تصوراتها وتدعيم أوراقها التفاوضية، على اعتبار أن من يملك المعلومة الدقيقة يملك القرار، في وقت يحتدم فيه الصراع على الأسواق الاستثمارية والتجارية ومصادر الموارد الطبيعية للهيمنة عليها بأقل كلفة.
ومن منطلق صحافة جزائرية «مقاومة» تتميز بالتنوع في التوجهات، يمكنها أن ترتقي إلى مستوى أكثر احترافية في الأداء تحسبا للمعركة الإعلامية المفتوحة على كافة الجبهات السياسية والاقتصادية والثقافية، بحيث لا يوجد تعارض بين مسار حرية الكلمة والتموقع في خندق الوطن الذي يحتضن الجميع.