ما الذي يجعل فتى فلسطينيا مقبلا على الحياة يستلّ سكينا و يسرع به نحو عسكريّ إسرائيلي مدجّج بالسلاح ليغرسه في جسده؟
في الواقع، لا يمكن أن ننظر إلى الواقعة مجرّدة عن دوافعها وظروفها، وإلاّ أصبح للكلام معنى آخر وهو للأسف الشديد ما يروّجه الصّهاينة والمتواطئون معه، الذين يصرّون على إلصاق تهمة الارهاب بأولئك الشباب الذين يكتبون بدمائهم فصول انتفاضة “الأقصى الثانية”.
ببساطة،وسواء أيّدنا الفعل أو عارضناه، فإنّ لجوء الفلسطيني إلى السلاح الأبيض لمواجهة العدو ومقاومته، هو في كلّ الأحوال مدفوع بما يرتكبه هذا العدوّ الغاشم من جرائم لا يتصوّرها العقل، إنّه باختصار ردّ فعل قد يراه كثيرون طبيعيا على وضع غير طبيعي يفرضه الاحتلال باستفزازاته اللامتناهية، وهو بعض القصاص من الصهاينة المتطرفين الذين ينتهكون المقدّسات ويتآمرون بقصد تهويدها والاستيلاء عليها، كما استولوا على أرض فلسطين العربية قبل ستة عقود.
في الحقيقة لا يمكن النظر إلى فعل الطعن مجرّدا عن دوافعه، بل من الضروري وضعه في سياقه وظروفه، فالاحتلال الاسرائيلي لم يترك خيارا أمام الفلسطينيين غير البحث عن أيّ وسيلة أو طريقة للمواجهة أو المقاومة.
وفي ظلّ غياب توازن القوى التي يحقّقها السلاح، قد يحوّل الشاب الفلسطيني جسده مرغما إلى قنبلة تنفجر في وجه العدوّ، وقد يكتفي بسكين يطعن به مستوطنا، وفي كلّ الأحوال هو مرغم في ظلّ الوضع الذي يعيشه وكمّ الاستفزازات التي يواجهها على إيجاد وسيلة لضرب الاحتلال أو على الأقل ترعيبه حتى وإن دفع ثمن ذلك حياته وسقط شهيدا. إن الإدانة كلّها يجب أن توجّه للاحتلال الذي سرق الأرض واغتصب الحقوق، ويسعى إلى تهويد الأقصى ... فماذا ينتظر هذا الاحتلال من الفلسطينيين، هل يهدونه وردا مكافأة على جرائمه؟
عوض أن تدين إسرائيل الشاب الفلسطيني وهو يهاجم عساكرها المدجّجين بالسلاح بمجرّد سكين، عليها أن تكفّ عن استفزازه، وأن تعيد له حقوقه وترفع أيديها عن مقدساته التي تعتبر خطّا أحمر لا يمكنها تجاوزه، وقبل ذلك عليها أن تسمح بإقامة الدولة الفلسطينية القابلة للحياة، وغير ذلك فمثلما يعاني الفلسطينيون ستعاني هي الأخرى عدم الأمن والاستقرار وهو شقاء يلبس كل محتلّ غازي.