قد يرى البعض في شساعة الرقعة الجغرافية مصدر قوة للدولة، وقد يرى البعض الآخر القوة في مستوى التسلح أو النمو الاقتصادي أو ارتفاع مستويات التنمية.. ولكن كثيرا من الآراء تركز على الجانب الهوياتي للمجتمع، الذي يشكل بدوره الجبهة الداخلية للدولة وصمام الأمان، ويتجسد هذا المكون أكثر في ثقافة المجتمع وتقاليده وأعرافه، التي إما أن تكون متجانسة حدّ الانصهار، فتضمن تراصّا وتناغما غير مسبوق للمجتمع، ولكنها قد تصير جامدة ولا تسمح بالانفتاح على الآخر، وإما أن تكون متنوعة ومتلاقحة، فتعطي شكلا غير متجانس للثقافة المجتمعية ولكنها تكون أكثر طواعية وتأقلما مع الآخر، وتمكّن المجتمعات من التفاعل فيما بينها في عصر يمقت الانعزالية ولا يترك لها سبيلا.
إن التنوع الثقافي ميزة لطالما عُرفت بها الجزائر على مرّ العصور، فقد ساهم موقعها الجغرافي، الواقع في مفترق طرق بين مختلف الإثنيات والحضارات، وإقليمها الشاسع الذي بوّأها لتكون أكبر الدول الأفريقية مساحة، في تشكيل فسيفساء ثقافية يحسدنا عليها كُثر، من شأنها ــ إن هي استغلت كما ينبغي ــ أن تسهم في مواكبة التفاعل الذي بات يميز العالم المعاصر، دون الذوبان الكلي في الآخر، إذ كلما ازداد غنى ثقافة المجتمع، كلما كان الاعتزاز بها أقوى وأكبر.
إن موسيقى تاقناويت مثال على هذا التلاقح عبر العصور، وكذلك الثقافة الأمازيغية، والإسهامات العربية الإسلامية، والتوابل الأفريقية والأوروبية، التي تمازجت لتدلّ مرة أخرى على قدرة هذا المجتمع العظيمة على التفاعل والاستيعاب، والتسامح مع الآخر. لذا فإن أفضل شيء نقوم به، هو الاعتراف بهذا التنوع والمضي به قدما، لا الوقوف عند النعرات والحزازات التي لا أساس لها من الصحة، وما أنزل الله بها من سلطان. إن الثقافة كائن حي، يتفاعل مع محيطه، فإما أن يتأقلم وإما يندثر، ولا ريب أننا أكبر الخاسرين إن هي اندثرت، لأن بقاءنا هو لا شكّ من بقائها.