وضعت الدول الكبرى آليات جديدة في المنطقة العربية تهدف إلى خلق حالة من الفوضى سميت ظلما “خلاقة”وسميت بالربيع العربي على غرار الصراع الطائفي بين الشيعة والسنة وإرهاب المنظمات المتطرفة كالنصرة وداعش وغيرهما وهذا لشغل العالمين العربي والإسلامي بمشكلات تستمر لعقود هي في غنى عنها وقادرة على تجنبها.
فقد تعرضت المنطقة العربية في العقود الماضية والسنوات الأخيرة لهجمات من الداخل والخارج بمبرر سوء إدارة الحكم وفساد الأولويات في كثير من دولها والتشبث بالحكم دون تداول عليه، مما سمح للدول الكبرى باستغلال الضعف الاستراتيجي وتسويق نظرية الفوضى الخلاقة التي تحركها وتنفذها أيادي داخلية بدعم خارجي وتحقيق “سايس بيكو” جديدة واقرار المبدأ الاستعماري “فرق تسد” ليضمن لها تحقيق المصلحة والتواجد المستمر بالمنطقة ومحاولة قلب الأنظمة واستحداث التغيير بالعنف حتى وإن كانت الأنظمة شرعية ومحاولة تنصيب أنظمة تابعة لها تخدم مصالحها.
فمنذ اتفاقية “ساكس بيكو” تجمع العالم العربي تحت مظلة الجامعة العربية منتصف أربعينات القرن العشرين ومع نشوء دولة إسرائيل وبزوغ القضية الفلسطينية انشغل العرب بها وبتداعياتها وأصبحت تحتل مركز انشغالاتهم ومن ضمن أولوياتهم.
غير أن الدول العظمى أرادت أن تحدث تغييرا في خريطة العالم العربي من منطلق إحداث فوضى فيه ثم إعادة تشكيله من جديد، وذلك بافتعال أزمات تلهيهم عن الأزمة المركزية فلسطين كي يتسنى لإسرائيل أن تبقى قوة إقليمية في المنطقة دون منازع باعتبارها البنت المدللة لأمريكا ومحاولة تغيير الصراع من (عربي اسرائيلي) إلى عربي ايراني وعلى أساس طائفي (سني شيعي).
إن الدول الكبرى لا سيما الغربية منها تعمل على إضعاف قدرات الدول العربية واستغلال ذلك للوصول إلى تشكيل جديد في المنطقة (شرق اوسط جديد) بإقامة حروب أهلية وتهديم البنى التحتية، ويمكن أن نلاحظ ذلك في كل من العراق وسوريا وليبيا واليمن وغيرها ومحاولة تقسيم هذه الدول إلى دويلات بعد أن قسمت السودان.
لكن النظام الإقليمي الجديد المتوقع للمنطقة، لن يتبلور ونحن في القرن الواحد والعشرين بالسهولة التي تمت صياغته بها في القرن العشرين، لأن الظروف السياسية والاقتصادية والعلمية والتكنولوجية والثقافية اختلفت حيث الانفتاح وحرية حركة المعلومات والتواصل بين الشعوب ونخبها ونضوج الفكر الديمقراطي.
كما أن تضارب مصالح الدول الكبرى في المنطقة يخلق نوعا من التوازن ويؤخر تغيير خريطة المنطقة وخريطة الشرق الأوسط تحديدا وهذا ما وقفنا عنده بالتدخل العسكري الروسي جوا في سوريا مؤخرا لمحاربة التنظيمات الإرهابية وهو الشيء الذي لم يستصغه التحالف الدولي بقيادة أمريكا.