ليس ابتكارا جديدا تسابق خبراء ومحللون من هنا وهناك للقول أن الوضع المالي للبلاد على عتبة مرحلة صعبة، فالمتتبع للمؤشرات يدرك هذا ولم يعد سرا، إنما المطلوب اليوم بدل التراشق بالأرقام من هؤلاء أو التلذذ بتسويق خطاب إعلامي مغالط ومبالغ فيه من أولئك، العمل على رصد تشخيص هادئ وقريب للدقة وتقديم تصورات لحلول وبدائل تصب في حماية المكاسب التي حققتها البلاد ويستفيد منها عموم الجماهير بما فيها الذين يروجون لخطاب كارثي مليء بالإحباط وتثبيط العزائم وهم أقرب لقوم ينطبق عليهم المثل القائل “يأكل الغلة ويسب الملة”. وقد بلغ الأمر بأحدهم إلى استباق الزمن والقول إن الجزائر لن يمكنها المقاومة لأكثر من سنتين وكأنه ينتظر بشغف حدوث أزمة خانقة تذكر بمراحل سابقة أدت بالبلاد إلى ما يعرفه العام والخاص.
حقيقة الوضع ينذر ويستدعي التحرك لمواجهة تداعيات انهيار أسعار المحروقات بالنظر لمتطلبات التنمية والتطور الذي يعرفه الطلب الاقتصادي والاجتماعي للفرد الجزائري، لكنه يقتضي من كافة الشركاء التزام خط سير يتسم بالمسؤولية واليقظة، خاصة على مستوى الخطاب والموقف بحيث من الضروري حماية مكاسب الاستقرار الذي تعرفه البلاد وصيانة الجدار الوطني الداخلي أمام ما يحاك حول بلادنا من دسائس وتلاعبات بما فيها ما يجري في سوق المحروقات، ذلك أن القوى المهيمنة التي تصبغ النظام العالمي الجديد وتسعى لتحطيم الدولة الوطنية للبلدان الصاعدة المصنفة مستعصية عن السيطرة تستعمل الجانب الاقتصادي والمالي لبلوغ مخططاتها ليس من أجل أهداف تجارية واستثمارية فقط، إنما أكثر من ذلك لاستنزاف موارد الشعوب وامتصاص جهدهم بعرقلة التنمية.
لقد أمسكت الجزائر بعجلة التنمية فاستعادت دورها بالرغم من نقائص واختلالات لا تزال تحتاج إلى التقويم عن طريق اعتماد الحوكمة، ولا يمكن لعاقل أن يقفز على حقائق على ما يعتري بعضها من جدل فيسقط في ما يشبه جلد الذات، بينما يقدم العالم في أكثر من بلد يمر بأزمة حقيقية مثل اليونان مثالا حيا لكيفية التعامل مع هكذا ظروف بحيث ينحصر النقاش ضمن أصحاب الشأن من خبراء يتمتعون بالنزاهة وسياسيين حريصين على وحدة البلد وانسجام المجتمع وإعلام يحرص على التزام الحقيقية ونبذ الأراجيف بل تسقط هنا كافة الخلافات أمام مصلحة الأمة.
والواقع أن هناك اليوم أوراق لم تكن توجد في ظل أزمة 1986 وبالتالي يمكن توظيفها في بناء مقاومة اقتصادية عنونها ترشيد النفقات العمومية والخاصة وليس التقشف الذي يلجأ إليه من تتقطع بهم السبل، ومن ثمة فإن تعاون الجميع على صيانة الهدوء وتنمية مناخ شفاف يساعد على اتضاح الرؤية والسيطرة على كافة المتغيرات المالية من خلال الدفع بإجراءات اقتصادية وليست أدارية إلى السوق الاستثمارية والتجارية من شأنها أن تعوض الفارق الذي تخسره ميزانية الدولة جراء تراجع إيرادات سعر البرميل.
ومن هذه الأوراق، أن الجزائر تخلصت من المديونية الخارجية التي أرهقتها وبحوزتها احتياطي بالعملة الصعبة يضمن فترة ارتياح إلى حين ضبط مستلزمات تخطي هذا الظرف إلى جانب وجود مكاسب حقيقية من منشآت قاعدة وبرامج وموارد بشرية كفيلة بأن تعطي الانطلاقة المرتقبة من خلال الرهان على المؤسسة الاقتصادية الجزائرية التي تدخل اليوم مرحلة اختبار مدى نجاعتها وقدرتها على مواجهة المنافسة الخارجية.
وسوف تكون المؤسسة الجزائرية بكل ألوانها عمومية وخاصة وبالشراكة في صميم الثلاثية المزمع انعقادها ببسكرة في منتصف أكتوبر القادم بحيث يحتاج الموقف إلى التفاف كافة الفاعلين في الساحة الاقتصادية والإعلامية وحتى السياسية حول الخيار الوطني الذي تسقط أمامه كافة الاعتبارات الأخرى من خلال اعتماد خطاب رصين بعيدا عن السقوط في ترويج ما يخدم أصحاب المخططات الهدامة الذين يتربصون ببلادنا وينتظرون اللحظة الحاسمة للانقضاض على المقدرات الوطنية.
وفي هذه الأثناء يبرز أيضا الدور الكبير الذي يجب أن تقوم به الجماعات المحلية في تنمية مسار الترشيد بإعادة رسم جدول الأولويات وإدراج المشاريع ضمن رؤية تكاملية وهو ما يضع ولاة الجمهورية أمام مسؤوليات اقتصادية واضحة ربما أكبر بكثير من تلك التي تترتب عن الوظيفة التقليدية بحيث أنهم مطالبون بالعمل في الميدان باستمرار لمراقبة الورشات والحرص على إتمام المشاريع في أجالها وتذليل الصعاب التي تعترض المقاولة أو تحد من ديناميكية الاستثمار فالمرحلة بحاجة لولاة يحملون قبعة “المقاول” الذي يشتغل للمصلحة الوطنية والمدرك للتحولات والقارئ جيدا للمؤشرات.
مرحلة اختبار النجاعة الاقتصادية
سعيد بن عياد
28
أوث
2015
شوهد:534 مرة