تمثل الصناعة التقليدية رافدا اقتصاديا غنيا يمكنه أن يساهم في التنمية الجوارية التي تعزز من سياسة استقرار السكان جغرافيا وانسجام التنوع الثقافي وكذا ـ وهو أمر حيوي ـ تحفيز تنقل الاستثمار إلى المناطق الداخلية حيث تتوافر المواد الأولية الطبيعية المختلفة.
ويقع على عاتق أهل الصناعة التقليدية، واجب العمل بصدق باتجاه تنمية الحرف وترقيتها بتوسيع مساحتها في المجتمع عن طريق الانفتاح بشكل بناء وهادف ومنتج للقيمة المضافة على العنصر البشري الشاب والتخلص من ذهنية بالية أكل عليها الدهر وشرب، تتمثل في إبقاء الحرفة التقليدية في حضن العائلة أو المجموعة الضيقة. وهي بالفعل معركة مصيرية ينبغي أن ينخرط فيها كافة المعنيين من أصحاب المهن ذات الصلة بالصناعة التقليدية والجماعات المحلية، إلى جانب المرافق الاقتصادية والسياحية التي تحمل المنتوج الحرفي التقليدي إلى رحاب السوق حيث المنافسة والاستقطاب التجاري الذي يحسم معركة السوق.
في هذا الإطار، من المفيد جدا إعادة تصحيح معادلة العلاقة بين أصحاب حرف الصناعة التقليدية والغرف المنظمة للمهنة، بحيث ينبغي أن تبادر هذه الأخيرة بأهل المهنة من أجل مرافقتهم في التموقع جيدا في المشهد الاقتصادي، بما في ذلك إدماجهم في منظومة التكوين والتمهين لاستقطاب أعداد كبيرة من الشباب الذي يمكنه العبور منها إلى عالم الشغل ومن ثمة إدراك الاستقرار الذي يتوفر على مناخ ملائم لتعزيزه وتعميقه بشكل مستدام.
ويستدعي مثل هذا التوجه، أي جعل الإدارة المكلفة في خدمة أصحاب المهنة، إحداث قفزة على مسار النهوض بالصناعة التقليدية لتصبح ممارسة يومية ولا ترتبط بمناسبات معينة، وهو ما ينتظر أن تشارك فيه كافة الأطراف المعنية بإنجاز أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية وكذا الثقافية وذلك بإدماج الحرف التقليدية في البرامج الاستثمارية المتعددة، وبالأخص منها السياحية، بحيث يمكن تقنين بناء العلاقة الاقتصادية بين الحرف التقليدية والمرافق السياحية، بل يمكن توسيع هذا الاهتمام إلى الممثليات الدبلوماسية بالخارج والتي ما أحوجها اليوم لأن تلعب دورها الاقتصادي كاملا في ظل بروز الدبلوماسية الاقتصادية بالمعايير الدقيقة.
إن انفتاح أصحاب مهن الحرف التقليدية على المحيط الاقتصادي والاجتماعي، يوفر لهم عنصر الديمومة والتوجه إلى مواجهة المنافسة الأجنبية، بينما الاكتفاء بالوضع الراهن، أي انغلاقهم على الذات، يحمل بذور زوال أكثر من حرفة وهو ما لا يرضاه المعنيون، الذين يملكون ثروة غير مادية من الأداء والابتكار والإبداع كفيلة بأن تغير من الواقع الاقتصادي المحلي مع كل ما يتطلبه الأمر من جهود وتحمل لمتاعب محيط لا يدرك كما يجب أهمية الصناعة التقليدية في الرفع من النمو.