بتوقيع الأطراف المالية المتنازعة، على ميثاق السلم والمصالحة وترك النزاع وتوقيف الاقتتال بين الأشقاء في دولة مالي، تكون الجزائر وعبر المساعي الدبلوماسية التي كانت طرفا أساسيا في تحريكها، من خلال تفعيل جسور الحوار وتقارب الرؤى والأفكار بين الفصائل المتنازعة على الأرض، العملية لم تكن بالسهلة في بلد يعيش الكثير من التناقضات والمشاكل القبلية كادت أن تعصف به في بؤر التوتر والحروب، ناهيك عن المشاكل التي يتخبط فيها المجتمع المالي من تراكمات الفقر والبطالة والهجرة السرية، كل هذه الظروف حالت دون أن يتمكن المواطن المالي من العيش في ظروف السلم والأمن، ناهيك عن العصابات الإجرامية التي استغلت الوضع السائد محاولة تأليب الفوضى الداخلية بين الشمال والجنوب وبين الفصائل والقبائل الأزوادية عن طريق الكثير من الإغراءات سواء تلك تمثلت في شراء الذمم وإغراق المجتمع المالي في تجارة الرق والعبيد، من خلاله تهريب الأسلحة عبر الساحل الإفريقي والانخراط في بارونات تهريب المخدرات بثمن بخس.
المسألة المالية أخيرا، أخذت طريقها إلى الحل النهائي في عرس رحبت به المجموعة الدولية قاطبة، حيث كان للجزائر الدور المحوري والفاعل في إعادة القاطرة إلى السكة، مع تمكين الماليين من الجلوس إلى طاولة الحوار. المسألة لم تكن سهلة ولا بالعملية البسيطة، أمام التكالب الذي كانت تغذيه بعض الأطراف بهدف عدم استقرار المنطقة، مما يعني اللاّأمن في دول الساحل، وعرقلة العمل الدبلوماسي من الانتقال إلى الملف الليبي ومسائل أخرى أكثر تعقيدا تشهدها منطقة الساحل على رأسها الإرهاب.
كثيرة هي الأصوات التي حاولت عرقلة هذا المسار، إما باستقبال وفود بأراضيها، أو عن طريق تمويل بعض المناوئين من الفصائل المتنازعة لتعكير الجو السائد.
الأصوات التي هللت بعدم نجاح مسعى المصالحة، لم تكتف بذلك، بل راحت تشكك حتى في مستوى الدبلوماسية الجزائرية التي سهرت واحتضنت كل جولات الحوار على أراضيها منذ 2014، منها التي كانت في أطر سرية نظرا لضرورة العملية ومنها تلك التي كانت علنية، أمام كل وسائل الإعلام.
ما يمكن تسجيله هنا في هذه العجالة، هو الدور المثالي التي اتسمت به الدبلوماسية الجزائرية بقيادة رئيس الجمهورية، باعتباره يعرف المنطقة جيدا وتكويناتها الاجتماعية إبان ثورة التحرير، وثانيا أنه كان يشرف شخصيا على هذا الملف ويدرك أهميته، وما استقباله للرئيس المالي أكثر من ثلاث مرات رفقة بعض الوفود رفيعة المستوى لدليل على الاهتمام الذي توليه الجزائر لهذا لملف.
إن تسوية الملف المالي نهائيا عن طريق المفاوضات، إلى التوقيع بالأحرف الأولى على المصالحة والسلم هي خطوة إيجابية وقاعدة لا يخالها أدنى شك، لكي تحدد معالم دولة مالي مستقبلا، بهذا الخطوة الإيجابية ستبقى الأصوات النشاز تغرد خارج السرب كعادتها لتتوارى عن الأنظار إما أن تختفي أو تعيد قراءة التاريخ.
مالي.. انتصار العقل
نورالدين لعراجي
15
ماي
2015
شوهد:527 مرة