في زمن ليس بالبعيد، كان الوطن يتنفس ثقافيا وفكريا وإبداعيا، رغم قلة الإمكانيات ووفرة المواضيع والمحاور التي تناقش في الفضاءات الثقافية وغيرها، ففي ثمانينيات القرن الماضي انتعشنا ثقافيا وفكريا فلا يخلو يوم في الأسبوع، إلا ونقف على نشاط ثقافي متنوع، سواء في مدرجات الجامعة أو المسرح، أو حتى قاعات السينما التي كانت تعرض أفلاما بتقنية الشريط الطويل، كل هذه المساحات اختفت ولم يعد لها في الألفية الثانية أي وقع أو صدى من شأنه نفض الغبار وإعادة الوجه الغائب لثقافة اليوم.. غابت الفعاليات وغابت معها تلك الروح التي تشعرك بتنافس إبداعي يرقوا لها السمع والمشاهد.
العروض المسرحية التي كانت تقام سواء بقاعة ابن خلدون أو المسرح الوطني وحتى تلك التي كانت أيضا يتقاسمها مسرح حري شاد أو «موقادور» سابقا، كانت هي الأخرى تنتفض عن بكرة أبيها من الجمهور الذواق للفن السابع وأب الفنون، ما يلاحظ اليوم هو اتساع رقعة المسارح الجهوية وإعادة ترميم قاعات السينما جميعها إن لم أقل جلها إلا أن الحال يزداد تنافرا بين النشاط الثقافي وجمهوره، كأن العملية التوافقية لا تصلح أن تكون علاقة تفاعل لخلق ثقافة التواجد والحضور، رغم هذا التفتح والتنوع الذي تشهده الساحة اليوم، إلا أن اللقاءات كلها محتشمة يتداخل فيها الحضور بين المحاباة ومرة بدافع المعادات كي لا تفي بالغرض المطلوب من تمرير الرسالة الثقافية المراد إيصالها للملتقي.
ما نعيشه اليوم ينذر بحالة التنافر حتى في أبسط حالاتنا كأن يصدر إصدار جديد لكاتب ما ولا أحد يعلم صفحاته ولا غلافه ولا وجه صاحبه، رغم أن الرقمية اختصرت المسافات جميعها وكأن الإصدارات الجديدة كتب لها أن تبقى حبيسة رفوف المكتبات، أو تباع ورقا للخواص بالميزان كما حدث لدار نشر مؤخرا، ارتاءت أن تتخلص من منشوراتها فعمدت إلى إعلان بيع مخزونها من الورق بالكيلو، الشيء نفسه ينطبق على العروض المسرحية الأخرى التي تقاوم التهميش والنسيان لكي تخلق جو المنافسة والتعبير في زمن حضرت فيه الخشبة وغاب الجمهور .
لا أتحدث هنا عن فعاليات معينة بعينها، لكن ما أتحدث عنه هو المشهد العام برمته الذي يحتاج إلى إعادة بعث الروح فيه من جديد قبل أن يقتلها الجمود والنسيان، لأن الثقافة قبل أن تكون فعلا فهي سلوك عام تتوارثه الأجيال جيل بعد جيل، فإذا انقطع الشرخ فقد الجيل القادم حاضره ومستقبله لأنه فاقد لهويته الثقافية.
حاجتنا لثقافة التواجد والتنوع
نور الدين لعراجي
10
ماي
2015
شوهد:584 مرة