بين الفاتح ماي عيد العمال والثالث ماي اليوم العالمي لحرية التعبير، اللذين تحتفل بهما الجزائر لإبراز مدى المكاسب التي تحققت وتجددي الإرادة لتجاوز التحديات التي لا تنتهي، تحتفظ الذاكرة الجماعية للجزائريين بتاريخ 2 ماي 1962 الذي يرمز للجريمة البشعة التي نفذتها يومها عصابات المنظمة المسلحة السرية الفرنسية (OAS) في حق عمال ميناء الجزائر. لقد برزت تلك المنظمة الدموية العنصرية سنة من قبل إذ تأسست في 11 فيفري 1961 بمدريد من طرف غلاة الاستدماريين من أبرزهم جان جاك سوزيني وبيير لاغارد، قبل أن يلتحق بهم عسكريون من ذوي رتب عليا مثل الجنرال راؤول صالان، والذين حاولوا يائسين توقيف مسار التاريخ وكسر إرادة الشعب الجزائري، وذلك باعتمادهم خيار الإرهاب واسع النطاق للانتقام من الجزائريين، الذين بدأوا يدركون مرفأ الحرية والاستقلال بعد نضال وكفاح طويلين ومضنيين قادهما بلا هوادة بواسل جبهة وجيش التحرير الوطنيين. ومارست عناصر تلك المنظمة الإجرامية التي تضم مدنيين متطرفين وعسكريين ورجال البوليس العنصري سياسة الأرض المحروقة باستهداف المدنيين الجزائريين العزل والمنهكين جراء التعذيب والاستغلال وخاصة العمال الذين كانت تصطادهم بدم بارد في كل لحظة برصد كمائن واغتيالات جبانة وتفجيرات مدمرة بوضع قنابل وسيارات مفخخة. وتمادى نشاط المجرمين الذين لم يهضموا تصميم أبناء الشعب الجزائري على الالتفاف حول خيار ممثلهم الشرعي والوحيد جبهة وجيش التحرير الوطني المنضوين تحت لواء الحكومة الجزائرية المؤقتة التي قادت مفاوضات ايفيان الشاقة والطويلة دون التفريط قيد أنملة في الهدف المسطر، ألا وهو استرجاع السيادة الوطنية كاملة بما في ذلك إفشال مخطط الوفد الاستعماري الذي حاول واهما اللعب على المصطلحات لتكريس مخططه الجهنمي لفصل الصحراء الجزائرية وكان يعلم حينها ما تتوفر عليه من موارد وثقل جيواستراتيجي، الأمر الذي تفطنت له قيادة الثورة مبكرا فأجهضته بالحنكة والإخلاص والعزيمة الصلبة. ولأن مسلسل جرائمهم لم تشف غليلهم، انتقلت المنظمة الدموية- التي تبقى وصمة عار في تاريخ فرنسا الاستعمارية التي تلطخت أيدي قادتها عن بعد أو قرب بدماء الجزائريين الأبرياء- إلى أسلوب التقتيل الجماعي كما حصل ضد عمال ميناء الجزائر بوضع سيارة مفخخة أمام مكتب التشغيل فجر 2 ماي 1962 فسقط عشرات الشباب من ذلك السلف المقاوم والصامد بصدور عارية أمام همجية وإرهاب من ركبوا الوهم الاستعماري وصدقوا أكاذيب أسلافهم ممن غزوا بلادنا طمعا في خيراتها وثرواتها. وفي هذا التاريخ الخالد، هاهم الخلف من شباب الجزائر يجددون العهد للسلف المكافح بالبقاء على العهد في الدفاع عن الجزائر كل الجزائر تماما كما جسده أبناء الجنوب بالوقوف بالمرصاد لمؤامرات لا تتوقف تماما كما قام به سلفهم خلال ثورة التحرير بإسقاط أحلام المستدمر الغاشم. وهنا يسجل رئيس الدولة في كلمته بمناسبة أول ماي “القناعة الكاملة بأن أجيالنا الصاعدة في ولايات جنوب البلاد التي تحذوها تطلعات اجتماعية مشروعة مثلها مثل نظيراتها في ولايات شمال البلاد، ستقف بنفس الروح الوطنية لأسلافهم في وجه كل من تسول لهم أنفسهم زرع الفرقة في صفوف الشعب الجزائري الذي صهرته ووحدته محن المقاومة والكفاح البطولي من أجل الاستقلال”. وعلى هذا النحو وبنفس العزيمة تستمر المسيرة على الجبهة الاقتصادية لتحصين المكاسب المحققة بالدماء الزكية والمعاناة الشديدة في ظل التماسك والوحدة والحذر من السقوط في كمائن تنسج هنا وهناك تحت شعارات براقة ومخادعة، والمثل يقول “خوك خوك لا يغرك صاحبك”. ولذلك لا خيار سوى أن ينخرط الجميع في ديناميكية النهوض بالاقتصاد الوطني بالرهان على الموارد والقدرات المحلية واعتماد المعايير الدولية فيكون خير وفاء لمن سقطوا في سبيل حرية واستقلال الجزائر، التي تعزز مكاسب عمالها وتنعم بمناخ حرية التعبير ولا تنطفئ منارة التاريخ التي تدل الأجيال نحو المستقبل.
التاريخ منارة للأجيال نحو المستقبل
سعيد بن عياد
01
ماي
2015