تتجه الأنظار اليوم إلى مدينة “سرتا” مدينة الجسور المعلقة، التي تمتد نشأتها إلى أعماق التاريخ الضارب في جغرافية المكان... وأنت تلج قسنطينة لأول مرة ينتابك إحساس بالرغبة في البكاء والفرحة معا، ربما لأن المكان يحمل بين ثناياه تعاويذ السحر الباهر، أو أن الصمت الذي يخيل إليك يجعلك تغوص في هذا البعد اللامتناهي من الرغبة في عشقها.. كيف لا والمدينة تحمل مجد التاريخ الحديث من صاحب حادثة المروحة أحمد باي إلى الإمام عبد الحميد بن باديس إلى الكاتب مالك حداد والمطرب الفرڤاني وأيضا الروائية المبدعة أحلام مستغانمي والأديبة صاحبة “تاء الخجل” فضيلة الفاروق وغيرها من الأسماء التي جسدت تاريخ المدينة وسحرها في الكتابات والأعمال الفنية المختلفة.
من منا لا يذكر قول الشاعر: “وأنزل بدارات سرتا مطرقا أدبا”، هي قسنطينة إذن التاريخ والحلم والحقيقة، كان الحلم أن تزف عروس الشرق عاصمة أبدية للثقافة في حلة عربية استثنائية، فجاءت اليقظة بأن الإغفاءة أصبحت حقيقة ظاهرة للعيان وهاهو التاريخ يضرب لها موعدا في الـ16 من أفريل لتكون المدينة متزامنة مع وفاة شيخها الفضيل الإمام عبد الحميد بن بأديس الرجل الإصلاحي، المصلح، الفقيه الناسك، المتعبد الخادم... هي ذكرى يوم العلم المتزامنة مع ذكرى هذا الرجل وكأن المدينة أرادت أن تقول للشيخ أنت هنا سيد الحضور والغياب... يكفي أنك أشرقت من سماء هذه البقعة.. وجدير بها أن توفيك حقك من الجميل الذي زرعته بين أرجائها.
المدينة ستعيش على مدار السنة وعبر كل فظاءاتها الجديدة والتي أعيد ترميمها، جوا ثقافيا متميزا، تتنوع أطباقه بين الابداع والسحر والخشبة والمحاضرة والشعر واللوحة والأغنية والكتاب والفيلم وغيرها من الفعاليات التي من شأنها إضفاء الجمالية على المشهد الثقافي الجزائري.
إن حرص رئيس الجمهورية على التنوع الثقافي بقسنطينة باعتبارها عاصمة عربية، لهو دليل على إمكانيات هذه المدينة وعلى ما تزخر به من كفاءات في الإبداع والتألق، هي جديرة بأن تضفي ذلك الطابع المتنوع من الثقافات والتقاليد والتراث لتكون هذه الفسيفساء سفيرة الجزائر بين هذه الجموع من الدول.
العرس ليس لقسنطينة وحدها، بل هو عرس الجزائر من تاء تندوف إلى تاء تيزي وزو ومن تاء تلمسان إلى تاء تبسه، فهو عرس الوطن الثقافي.
قسنطينة .. التاريخ الحلم والحقيقة
نورالدين لعراجي
14
أفريل
2015
شوهد:705 مرة