كلمة العدد

الثقافة والعنف..

بقلم: أسامة إفراح
21 مارس 2015

تصوّروا معي عالما تسوده الأنغام الشجية والألوان البهية.. تصوروا عالما يتحاور الناس فيه بالشعر، ويتراسلون بالكتابة القصصية، ويتناقشون بالتاريخ على خشبة مسرح كبيرة.. تخيلوا معي عالما يسكنه أناس تعلموا منذ الصغر معاني الجمال، وربوا على إمكانية أن تعارض أفكار الآخر أفكار الأنا، وتعرفوا على حضارات أخرى فأحبوا حضارتهم واعتزوا بها أكثر..
قد يقول أغلب من يقرأ هذا الكلام إن عالما كهذا لن يكون ممكنا إلا في سماء اليوتوبيا، فالخيال وحده يحقق كونا مثاليا كهذا.. ولكن هل يجوز أن نعتبر بأن “كلّ” ما قيل هو آمال مثالية؟ ألا يمكن تحقيق ولو جزء من هذه الآمال؟ ألم تتحقق فعلا بطريقة أو بأخرى؟
إن الطفل الذي يشبّ على حمل القيثار أو التعبير عن مكنوناته، حسنها وسيئها، بالريشة والألوان، من الصعب تخيله شابا حاملا بندقية رشاشة، ويكتفي بلون واحد هو الأحمر ينشره في كل مكان. وإذا كان الحالمون بعالم بلا عنف يتساءلون عن الطريقة التي يمكن بها أن نجمع ولا نفرّق، سنجيبهم بأنهم ربما نسوا كيف أن الموسيقى لغة عالمية، والألوان لغة عالمية، وكيف أن الشعر والرواية عابرة للحدود، وهي أدوات تحاور لا تقيدها اللغة، فلغتها الجمال.. وما دام الحوار ممكنا، فلا مكان للعنف، إلا في حالات قصوى تتحول فيها الثقافة نفسها إلى بندقية، والكلمات والألحان إلى رصاص وقنابل، مثل حالات الدفاع عن الوطن والقيم، ولكن ما دون ذلك هيّن ما دام الذوق الجمالي الحضاري للناس عاليا.
إننا إذا أردنا شعبا معتزا بحضارته وتاريخه، موجّها طاقته نحو البناء لا الهدم، فإن علينا أن نعنى أكثر بتنشئة أبنائنا على التذوّق، لأن الذوق هو ما يمكّن من التمييز بين الحق والباطل، والخير والشر، والجيد والسيّئ.. التذوّق وحده ما يفرق بين التسامح والتطرف، وهنا يبقى السؤال المطروح: ما هو موقع التربية الثقافية عندنا؟ وما هو موقعنا من التربية الثقافية؟

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024