تعود ذكرى 19 مارس حاملة رمزيتها الخالدة للأجيال، واضعة الذاكرة الجماعية للجزائريين كافة أمام مسؤولية التعاطي مع التاريخ، في ظل هجمة عنيفة للعولمة التي تجرف أمامها دولا ومجتمعات لتدفعها نحو المجهول بعد ضرب قاسمها المشترك ممثلا في التاريخ.
شكّل ذلك اليوم المشهود بإعلان وقف إطلاق النار، بموجب اتفاقيات إيفيان الموقعة من جانب جبهة وجيش التحرير الوطني، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الجزائري، والحكومة الفرنسية. وقد كرست الاتفاقية حق الشعب الجزائري في تقرير المصير عن طريق الاستفتاء وهو ما تحقق لاحقا بتأييد خيار الاستقلال، فكان ثمرة مسار طويل من الكفاح العسكري والسياسي والدبلوماسي بلا كلل ولا تردد.
حقيقة، يكرّس هذا اليوم الساطع - وهو عيد النصر في وجه أعتى قوة استدمارية مارست سياسة الأرض المحروقة وداست على القانون الإنساني- سقوط أكذوبة فرنسا الاستعمارية تحت ضربات بواسل جيش التحرير وصلابة المناضلين في جبهة التحرير الوطني، التي جمعت حولها التأييد الشعبي الصريح فجر إعلان بيان أول نوفمبر موعد تفجير الثورة كزلزال تحت أقدام الجيش الاستعماري وعصابات الكولون وأذنابهم من الخونة.
لقد كلّل يوم النصر الطريق الطويل والشاق الذي قطعه الشعب الجزائري بقيادة نخبته النيّرة ذات الإرادة الصارمة من أجل استرجاع الجزائر للسيادة الوطنية وكسر أنياب الوحش الاستدماري الذي عاث في بلادنا فسادا ومارس أبشع ألوان الاحتقار والإهانة ضد الإنسان الجزائري، رجلا وامرأة وطفلا، طيلة حقبة مريرة، أنهيت بتضحيات ومعاناة لا تقدّر بثمن.
بلا شك، أن 19 مارس 1962 كان نقطة نهاية ليل استعماري حالك، وبداية يوم جليّ وضع الشعب الجزائري على الطريق إلى تقرير مصيره والانتقال إلى مرحلة بناء الدولة الجزائرية الحديثة بكل ما يحمله من قيم ومبادئ وتطلعات إلى مستقبل رسم معالمه بيان أول نوفمبر المتضمن مبادئ الكرامة والعدالة والمساواة والحرّية في إطار الديمقراطية وضمن إطار المبادئ الإسلامية، وذلك على امتداد درب طويل يجري بناؤه بإرادة سيّدة في ظل الانسجام والتناغم الوطنيين، انطلاقا من قناعة راسخة بأن يكون التاريخ أعلى من أي توجهات أو تصورات، بل يبقى بمثابة الملاذ الآمن، عند الضرورة، لمواجهة مصاعب وتحديات محتملة.
وضمن هذا التوجّه الاستراتيجي، الضروري تعزيز مسار قراءة هادئة ونزيهة وموضوعية للتاريخ الوطني وتفادي السقوط في جدال هامشي يحاول البعض الترويج له، بحثا عن موقع في الساحة ولو على حساب الذاكرة الجماعية التي حررت صفحاتها اللامعة دماء مليون ونصف مليون شهيد من خيرة أبناء الشعب الجزائري. وينبغي هنا تعميق تدريس التاريخ بالمعايير البيداغوجية ضمن كافة المواقع التربوية والجامعية والشبابية وفي كل المساحات التي يتبلور فيها الرأي العام الذي يهتم بالتاريخ الوطني.
ويصنف 19 مارس في صدارة كتاب مفتوح للتاريخ الوطني، من حيث أنه ثمرة كفاح ونضال ثوري عسكري ودبلوماسي يستحق أن يخصّ على مدار السنة بالاهتمام من أجل ترسيخه في الأذهان، علما أن صناعه أبلوا البلاء الحسن في الدفاع عن الجزائر وكرامة شعبها.
ثمرة كفاح ونضال ثوري عسكري ودبلوماسي
سعيـد بــن عيــاد
17
مارس
2015
شوهد:818 مرة