تتجه المنظومة التربوية إلى انزلاق خطير بسبب تعنّت دعاة الإضراب، الذي يبدو أن نقابة “كنابست” حوّلته إلى عقيدة، ضاربة عرض الحائط بمصلحة التلاميذ، خاصة المقبلين على امتحانات البكالوريا، الذين دخلوا في دوامة البحث عن المستقبل الذي ارتهنته نقابة يبدو أنها تجردت من الضمير المهني بعد أن وضع أصحابها مصالحهم فوق كل اعتبار.
ومنذ 16 فيفري، تاريخ توقفهم عن التدريس، والتلاميذ عرضة لحالة ضياع في غياب مخطط عملي بديل، كان على وزراه التربية أن تبادر به لكسر سياسة الأمر الواقع وتجاوز حالة التردد، باللجوء إلى تفعيل تدابير ملموسة وفقا لقوانين الجمهورية من أجل أن تضع حدّا لوضع أصبح يشكل تهديدا لأجيال بكاملها، هي اليوم بين كماشة إضراب بشع يستحق التنديد بأقوى العبارات.
ولم يعد القلق يتعلق بمن يدعون أساتذة وقد فضلوا بشكل يندى له الجبين الإضراب أو بالأحرى الامتناع عن العمل في تحدّ صارخ للقيم وقوانين الجمهورية، إنما القلق يشمل في الجوهر التلاميذ ضحايا من يعتقد أنهم أهل للتقدير والتبجيل، لكن للأسف.
الكرة اليوم في مرمى وزارة التربية وباقي المؤسسات الدستورية المخولة قانونا لاتخاذ الإجراءات ضد كل تصرّف يستهدف زعزعة الاستقرار وضرب أحد مكاسب الجزائر المستقلة، ألا وهي المدرسة العمومية التي تبين أنها تفتقر لمنظومة قوانين تحميها من أي عبث أو مصادرة، كما يجري اليوم، في ظل سكوت البعض وتهاون البعض الآخر بالتخلي عن تحمل المسؤولية ولو باللجوء إلى كافة الوسائل المتاحة من أجل تطهير المدرسة ممن يكرسون وضعا يدفع بأبنائنا إلى الهاوية ويقذف بهم بالآلاف إلى الشارع الذي تتربص به جماعات تشكل خطرا على البلاد برمتها. وأيّ نقابة هذه التي تنفرد بالمدرسة وتحولها إلى غنيمة تحقق بها مصالح فئوية، ضاربة عرض الحائط بالقيم والمسؤولية وثقافة الحوار والنضال المتواصل؟، في وقت أعلنت فيه نقابات أخرى عن استئناف العمل والتراجع عن إضراب سبق أن دعت إليه وذلك بعد التوصل إلى اتفاق متوازن مع الوصاية والتوجه إلى طاولة الحوار لمعالجة القضايا دون المساس بمصلحة التلميذ، الذي لا يملك أدوات الدفاع عن حقه المشروع في التعليم بعيدا عن أي ابتزاز أو مساومة.
بلا شك أن للأستاذ انشغالات يمكن الإصغاء إليها، لكن لا يقبل على الإطلاق أن تحوّل تلك المطالب إلى معاول لهدم وتدمير منظومة بناها الأوائل والحاليون من النزهاء وأصحاب الضمائر الحية والحاملون لقيم المهنية والمسؤولية تجاه المدرسة، بالعمل والتضحية والتحمل. فهل يعقل أن يتواصل إضراب لحوالي شهر دون أن يتحرك في أصحابه الشعور بالمسؤولية الأخلاقية على الأقل؟. ويسجل التاريخ بأسف، ما تتعرض له المدرسة العمومية في ظل انزلاقات خطيرة لأطراف يبدو أن لها نوايا خفية تجعل التلاميذ دروعا بشرية في صراعها النقابي. لكن يسجل التاريخ بأحرف من ذهب، ما أنجزه أساتذة ومعلمون وحتى عمال على مدار السنوات من نتائج ولو على حساب مصالحهم، خاصة في أثناء العشرية الإرهابية، حينما سهروا على ضمان ديمومة المدرسة في المدن والأرياف والفيافي، فلم يقايضوا ولم يساوموا بأدنى مقابل، فأين مضربو اليوم من أولئك الذين قدموا المثل الأعلى في التضحية والإيثار عن النفس من أجل بناء أجيال متعلمة وقوية ومحصّنة؟
إنزلاق خطير
سعيد بن عياد
10
مارس
2015
شوهد:540 مرة