راهنت الجزائر دوما على الخيارات السياسية القائمة على الحوار لحلحلة أي أزمة تنفجر هنا وهناك، ولم تدّخر يوما جهدا لتجسيد هذا الرّهان على أرض الواقع. التّاريخ يسجّل الكثير من أدوار الوساطة التي لعبتها الجزائر بصدق ومصداقية، وكلّل الكثير منها بالنّجاح. لعلّ أبرزها تلك التي قادتها بين العراق وإيران منتصف سبعينيات القرن الماضي، وتوّجت في 6 مارس 1975 باتفاقية أطلق عليها اسم اتفاقية الجزائر، التي كان لها الفضل في إخماد توتّر حدودي بين البلدين دام طويلا.
ولم تتوقّف الجزائر يوما عن بذل مساعيها قصد تهدئة الأجواء بين العراق وإيران لمّا نشبت بينهما حرب الخليج الاولى بداية ثمانينات القرن الماضي، وقد دفعت ثمنا غاليا وهي تؤدّي هذه المهمّة، حيث لقي رئيس دبلوماسيتها محمد الصديق بن يحيى مصرعه في 4 ماي 1982 بصاروخ نسف طائرته وهي تسلك المثلث الحدودي العراقي ـ الايراني ـ التركي.
وكان للدور الجزائري أثره الكبير والبارز في توقيع اتّفاق الطائف عام 1989، الذي أنهى 15 عاما من الحرب الأهلية في لبنان.
إنّ سياسة الجزائر الخارجية ورغم ارتكازها على مبدأ النأي بالنفس عن التدخل في شؤون الآخرين، إلاّ أنّها كثيرا ما تحرّك آلتها الدبلوماسية لمساعدة الاشقاء والأصدقاء على حلّ مشاكلهم وتجاوز أزماتهم، وهو الأمر الذي باشرته بمالي منذ أن انفجر الوضع هناك قبل نحو ثلاثة أعوام، حيث عارضت الجزائر بشدة الحل العسكري للأزمة، واعتبرت أن التدخّل الفرنسي وإن كان سينجح في إبعاد الجماعات الارهابية وطردها من الشمال، فهو لن يستطيع إعادة الاستقرار السياسي وتذويب الخلافات بين مجموعات الشمال وباماكو إلاّ عبر الحوار.
وبتوقيع اتفاق السّلم والمصالحة المالي يوم الاحد، تكون الجزائر قد ربحت رهانها وحقّقت إنجازا دبلوماسيا مميّزا، ومن خلاله حصّنت حدودها الجنوبية لتلتفت إلى الأزمة الليبية التي تعصف بالمنطقة، وكلّها أمل في أن ينخرط الليبيون بجدّ في الحوار الذي ترعاه الأمم المتحدة، ويقبلوا يد الجزائرية الممدودة لانتشالهم من الحرب الأهلية التي تدقّ أبوابهم، فهل يقتدي فرقاء ليبيا بالأطراف المالية وينقذوا بلادهم من النّار التي تحرقها؟
إنجاز دبلوماسي
دفوس فضيلة
02
مارس
2015
شوهد:509 مرة