يبدو أن انخفاض أسعار البترول فتحت الأعين، وأحدثت هزّة في الوعي بضرورة تنويع الصادرات خارج المحروقات، وتشجيع الاستثمارات في مختلف الميادين، والاهتمام بالثروة الحقيقية للبلاد المتمثلة في الشباب، الذي يعتبر العنصر الأساسي المُنشأ للحضارة والتطور الاقتصادي.
صحيح أن الجزائر حاليا في وضع مريح بعد انخفاض سعر النفط، ولديها كل الحلول لمواجهة المعطيات الجديدة، لكن الوفرة المالية لا يمكنها أن تعمينا عن حقائق الأشياء في الميدان والثغرات والنقائص الموجودة، لأن دوام الحال من المحال، والاعتماد على الريع النفطي ليس حلا، لا على المدى القريب ولا البعيد، خاصة أننا نعلم بأن أزمة أسعار النفط الحالية ليست الأولى ولن تكون الأخيرة.
يمكن اعتبار هذه الصدمة فرصة ثمينة لاستنهاض الهمم والتأسيس لتقدم حقيقي، يقوم على أساس الاستثمار في العنصر البشري، الذي هو شعلة البناء والتطور الفعلي، وإيقاظ روح الإبداع في الشباب القادر على العطاء والإنتاج المستدام، ودعم الكفاءات التي بإمكانها جعل ثروات البلاد دافع نحو العمل ووسيلة لازدهار وتحضر البلاد.
الظرف الراهن يحتاج إلى جهود مضاعفة على جميع الأصعدة، لوضع حد للأسباب التي تؤدي إلى إنهاك الاقتصاد الوطني وخلخلة التوازن المادي والمالي في البلاد، فالمشكلة ليست في أزمة الأسعار، بل في أن تبقى الأيادي مكتوفة والكفاءات معطلة والمبادرات مجمدة والمؤسسات والشركات عاجزة، ينتظرون صعود وهبوط أسعار البترول وتلقي أخبارها من هنا وهناك.
البلاد تتوفر على كل مسببات وعناصر النهضة والتطور، وتمتلك ثروة الشباب التي هي أغلى من البترول، بإمكانها أن تساهم في التنمية الاقتصادية الحقيقية وتحويل الأزمة إلى انتصار وتطور فعلي يمسّ كل مناحي الحياة. وما يعيشه سوق النفط حاليا هو تنبيه وتحذير بأن لا شئ دائم، وبأنه حان الوقت للشروع في الاستثمار الحقيقي، الذي يحول الشباب من عنصر مستهلك إلى عنصر فاعل، مساهم في مشروع البناء والتطور، ومنتج وخلاق للثروة والمادة، عبر سياسة تقوي العزائم، وتمنح الثقة في المبادرات الهادفة والفعالة لتحقيق القفزة الاقتصادية المرجوة.
الأزمة تلد الهمّة
محمد مغلاوي
16
فيفري
2015
شوهد:565 مرة