روح المسؤولية تتراجع أمام الأنانية؟

سعيد بن عياد
15 فيفري 2015

صمّم نقابيون في قطاع التعليم على شن إضراب آخر غير مبالين بمصلحة التلاميذ التائهين في غياب خطة بديلة كفيلة بأن تنهي العبث وتنتشل المنظومة التربوية من مخالب من جعلوا من أنانيتهم ومصالحهم الضيقة (مقارنة بالرسالة التي يدّعون حملها) عقيدة جديدة تنذر من الآن بنتائج دراسية كارثية ( خطر زيادة نسبة التسرب المدرسي ) يدفع ثمنها كثير من أبناء عامة الشعب. وأي نقابة تلك التي لا تعترف بالمدرسة كمرفق عام يتطلب التعامل معه بمسؤولية وتريث من خلال جعل التلميذ في صدارة الانشغال بالموازاة مع تكريس ثقافة الحوار الاجتماعي آلية لتحقيق المطالب إذا كانت مشروعة؟.
 كان الأجدر ومنذ البداية اتخاذ الترتيبات والتدابير الملائمة والفعّالة لكسر شوكة نقابات يبدو أنها عازمة عل تدمير جيل بكامله من أجل حفنة مصالح مادية يمكن معالجتها بأسلوب حضاري. وتتوفر لدى الوصاية والجهات المسؤولة أكثر من إمكانية لإنهاء وضعية غير طبيعية حولت المدرسة كمؤسسة جمهورية إلى رهينة في قبضة أطراف لم تكشف عن حقيقة نواياها الخفية، مع التقدير لأساتذة ومعلمين في مختلف المستويات يواصلون العمل في صمت، غير مقتنعين بمغامرة نقابات أصبحت تشكل تهديدا للاستقرار.
كم من أستاذ، وجانب كبير منهم لا يستحق اللقب للأسف، يضرب عن العمل في المؤسسة التعليمية العمومية نهارا، ويستدرج التلاميذ (خاصة المقبلين على امتحانات نهاية الطور الدراسي) بشتى الطرق لبيعهم دروسا خصوصية بمبالغ مالية مرتفعة مساء، دون أن يخضع تاجر الدروس لتقييم بيداغوجي أو متابعة ضريبية. إنه تعسف لا يطاق كما يشعر به التلاميذ وأوليائهم، في وقت يمضي فيه الوقت وتتراجع معه وتيرة التحصيل البيداغوجي. ثم ألا يمكن أن يتطور فعل الإضراب إلى خطر لا يقل وصفا عن كونه مؤشرا لعصيان مدني غير معلن؟.
 لقد دافعنا في سنوات سابقة عن المعلم والأستاذ حتى يرتقي وضعه الاجتماعي، لكن يبدو أن الضحية تكاد تتحول إلى “غول” لا مجال لديه للحوار والصبر عليه، دينهم الأجر المرتفع والمصالح المادية وليذهب الباقي من رسالة حضارية وقيم حضارية ومستقبل التلاميذ إلى الجحيم. إنه عار ما بعده عار، أن يحدث هذا في مؤسسات - يفترض أنها فضاءات تصنف في مرتبة أعلى من باقي المؤسسات والمرافق العمومية- لمكافحة الجهل وتنوير العقول وترسيخ القيم وبناء المواطن السوي لإعداد أجيال واعية ومسؤولة تواجه تحديات العولمة ومخاطرها.
إنها انتهازية وابتزاز صارخين بعد أن حوّل رافضون للعمل أبناءنا لرهائن ومتاريس بشرية في “حرب قذرة” تشنّ على المدرسة العمومية التي حملت لواءها أجيال رائعة من المعلمين والأساتذة، الذين ضحوا منذ فجر الاستقلال في معركة العلوم والمعرفة، فبنوا- بإمكانيات بسيطة وفي ظروف صعبة على حساب صحتهم ووضعهم الاجتماعي المادي- أجيالا كاملة من بينهم بعض دعاة إضرابات بلا معنى، ومنهم من يحلو له حمل معول الهدم بدل الطبشور والقلم، ومن المعلمين والأساتذة الأشراف من قاوم التهديدات الإرهابية في العشرية السوداء، فركبوا المخاطر لضمان ديمومة المدرسة، فدفع الكثيرون رجالا ونساء ثمن الالتزام والوفاء لرسالة المعلم فسقطوا شهداء تلك الرسالة الراقية التي كانت أول ما نادى به ديننا الإسلامي وكرسته ثورة أول نوفمبر كشكل من أشكال مقاومة الفقر والتهميش والاحتقار.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024