تراجعت أسعار كثير من المنتجات الفلاحية والبحرية، في الأيّام الأخيرة، بل إن أنواعا من الخضر تدنّت أسعارها بشكل غير متوقّع إطلاقا، فألقت على عموم الأسواق كثيرا من الارتياح، والقبول والاطمئنان، بعد أن ضجّ الناس من أسعار عجائبية، لم تبق ولم تذر..
وكنّا قبل اليوم، نسمع كثيرا إلى عبارات تركّز على التّخوّف من شحّ الأمطار، ونتحسّر على الرّبيع الذي توقّع له كثيرون أن يكون باهتا شاحبا، ثم لم تلبث رحمة الله أن أحاطت بنا، وتنزّلت الأمطار خيرا وبركة، وجاء الرّبيع ريّانا زاهيا بديعا..وامتدّت الخضرة على جميع أنحاء البلاد مبشّرة بموسم ناجح..
نسوق هذين المثلين من واقع حياتنا اليومية، لنطرح السّؤال التالي:
ما الذي يجعل أصواتنا ترتفع كلّما أحسسنا بغبن، أو تخوّفنا من واقع، بينما تنعقد ألسننا فلا نسمع لها حسّا حين يأتي الفرج وتتّسع الحال؟!..لماذا نضجّ ساعة العسر، فنستعمل كل أدوات البلاغة في التعبير عن أوضاع صعبة، ثم نعيش اليسر كأنّه لاحدث، أو كأنه لا يستحق ولو ترحيبا بسيطا؟!
على كل حال، هذه ليست حالنا وحدنا، فـ «البشر» - في أصل الخلقة - دأبهم الهلع، والعسر ليس سوى اختبار غاية في الأهميّة يجتازونه، وهنا ينبغي أن يكون الواحد من الناس يقظا، ويتجنّب الفخاخ التي تعدّها له الحياة بحلوها ومرّها، فهي في كلّ حالاتها، «حياة» بما هي نعمة ينبغي أن يُقابلها الحمد، وفضلٌ ينبغي أن يحظى بالشّكر، حتى لا يكون الإنسان مَنُوعا للخير جَزُوعا ساعة الشرّ، ويحقّق في ذاته المعنى السّامي لـ «الإنسان»..وعلى هذا، ليس حسّنا أن نحدث جلبة وضجيجا ساعة العسرة، حتى إذا جاء الفرج انقلبنا كأن لم يصبنا شيء، فالحمد يديم النّعم..والأرزاق لا يحدّدها مؤشّر الحرارة والبرودة، ولا أيّ مؤشّر آخر، وإنما هي تقدير الرزّاق وحده..