لقد تغيّر العالم وتغيّرت معه أشياء كثيرة في حياة البشر، ولم يعد معه حيازة شهادة أكاديمية عليا أو تحصيل معارف ضخمة أمرا ذا بال، ذلك أنّ قيمة المرء - كما قالت العرب - أضحت فيما يحسنه، من صنائع قديمة ومعاصرة تقليدية أو تكنولوجية، تدفع قدما بأرباب العمل أو الشّركات نحو توظيف أشخاص عمليّين لا نظريّين في قدراتهم وأدائهم.
السّؤال الجوهري في هذا السياق، هو أنّ أغلب خرّيجي الشّهادات الجامعية يعملون في مجالات لا علاقة لها بتخصّصاتهم الجامعية حتى، بل احترفوا العمل بمهارات اكتسبوها خارج مقاعد الدراسة، وهنا نطرح جملة من الأسئلة حول التناسب بين حجم النّفقات العمومية على الدراسات الجامعية وجدواها في الاقتصاد وسوق العمل، بالمنظور الحديث، وهل ستغني المهارات على الشّهادات في مجالات التشغيل؟ وهل يكتفي أرباب العمل بالمهارات دون الشّهادات في توظيف العمال؟ وإذا كان هذا الحال، فلماذا نستمر في تنفيذ نفس النمط التعليمي الجامعي دون تجديد أو تحديث؟
لقد قام الرّئيس الأمريكي السّابق دونالد ترامب بتوقيع أمر تنفيذي، وجّه فيها موظفي الأجهزة الإدارية والحكومية الفدرالية بالتركيز على توظيف أصحاب المهارات لا الشهادات، ذلك أنّ هناك أسبابا شتى فرضت تغيّرا جذريا في التعليم والعمل، حتى أنّ الرجل الأغنى في العالم إيلون ماسك، قال في إحدى تصريحاته إنّني لا أوظّف في شركاتي أصحاب الشهادات بل أصحاب المهارات، بعد أن أضحت المواهب أقوى من المعارف في حد ذاتها، وسط انتشار التعليم الذاتي الذي لم يعد حكرا على المؤسسات التعليمية، بعد انتشار وسائط نستطيع متابعتها من بيوتنا عبر تطبيقات مثل إدراك «EDRAAK»، إيديكس (EDX)، كورسيرا (Coursera) وغيرها.
بالمقابل، أضحى عدد الخرّيجين الجامعيّين ضخما وحاملي الشهادات العليا معتبرا مقارنة بسوق العمل، فضلا عن أنّ المعارف التي يُحصّلها هؤلاء هي معارف نظرية وليست تطبيقية، ولا تتّصل بشكل واقعي بسوق التشغيل خاصة في العلوم الإنسانية، لذا وجب أن نعيد النظر بشكل فاحص في بناء نظام تكوين علمي ومهني يتوافق مع أفق التخطيط لبناء اقتصاد واقعي ومنتج، يتم التوازن فيه بين نفقات التكوين المجدية، والإدماج في التشغيل بشكل سريع وفعّال.