من عجائب المفارقات، أنّ كثيرا من الأعمال الدّرامية والسينمائية، على المستوى العالمي، صارت توجّه انتقادات لاذعة إلى وسائل الإعلام، وتركّز على توجّهاتها المهيمنة المتعلّقة بطريقة معالجة الأخبار، والتعامل مع الأحداث العامة.
وليس مستغربا أن يكون توجُّه الأعمال الفنّية نقديا خالصا، خاصة في حاضنتها الأدبية التي صارت تقتضي العودة إلى سلم قيم إنسانية واضحة، بعد أن تخلّت عن تبجيل البطولات في أزمانها المطلقة، ولم يعد الخطاب يستوعب الأساطير ولا الخرافات، وإنّما صار لزاما عليه أن يلتزم بالخلفية الفكرية الحديثة، ما يجعل وظيفته الأساسية معالجة جميع الظّواهر التي تضرّ بالقيم الإنسانية، أو تخرج عنها، وهذا بالضّبط ما يفرض على الأعمال الفنية الالتزام بوضع اليد على كلّ ما يمكن أن يمثّل خطرا محدقا بالمجتمعات الحديثة، وهنا تكمن المفارقة العجيبة التي يرتبط فيها العمل الفنيّ بالوسيط الإعلامي؛ ذلك أن الأعمال الفنيّة - عموما - تحتاج، بالضّرورة، وسائط الإعلام في تمرير خطابها، في وقت لا يمكن للوسيط الإعلامي أن يستغني عن الأعمال الفنيّة، لأنها مادة مطلوبة، ولها حضورها القويّ في إقناع الجماهير، ورفع نسبة المتابعة، وهو ما يعني تلقائيا، أن العمل الفنيّ النّاقد، يمارس - بطريقة أو بأخرى - دور البطل المضادّ لخطابه في ذاته، ما يؤسس للمفارقة العجيبة، ويمنحها شيئا من القوة والتماسك، يجعلها متعالية عن التّحليل والتفكيك..
واضح أنّ الأعمال الفنيّة تعوّدت على تقديم رؤاها النّقدية لفكرة «الانتشار»، وهي تحرص على تصويرها في أشكال مختلفة، تشترك كلها على الصورة المقزّزة لمن يلهث «الإقناع» بأساليب مضادة للقيم الإنسانية، مع أنّ الأعمال الفنية نفسها، تتذرّع بما يضمن لها «الإقناع»، وهي بهذا تركب مفهوم «الانتشار» الذي أصبح - بحكم المفارقة - مفهوما سيّء السّمعة..