من يستطيع نسيان ذلك المشهد الرهيب من فيلم «العفيون والعصا» الذي يظهر فيه الحركي وهو يحاول إذلال الجزائريين بـ «الخبز»، فيضع قطعة كبيرة أمام طفل صغير، كي يرغمه على التنصل من بلاده، ثم يلقي بـ «الخبز» على الأرض، على أساس أنّه يذلّ به طفولة الجزائري حين يتلقّفه كي يسكت جوعه، وهنا يسارع الطفل إلى قطعة الخبز، ويحملها من الأرض، فتتسع أسارير الحركي معتقدا أنه حقق غايته، وإذا بالعبقرية الجزائرية تتفجّر في وجه الظالم حين يُقبّل الطفل قطعة الخبز وهو يمرّرها بين فمه وجبينه، ليضعها في مكان عال، كما يقتضي لها مقامها المحترم عند الجزائريين جميعا.
الحركة التي قام بها الطفل في الفيلم ليست خيالا، بل هي تفصيل دقيق جدا من الواقع الجزائري، ما يزال متواصلا إلى يومنا هذا، فـ «الخبز» يبلغ درجة «التقديس» في المخيال الجزائري العام، وكل ما ينال منه، إنما ينال من الشخصية الجزائرية وقيمها العليا؛ لهذا، نجد صعوبة كبيرة في تصديق تلك الصّور التي تُظهر «الخبز» مكوّما في المفرغات، ما يوحي بأن كثيرين يتخلّصون من خبزهم قصدا، غير أن واقع الحال ليس كما تأتي به الصورة دائما.. وإن كان هناك الذين ضاعت عليهم ضمائرهم، واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير.. هؤلاء شذاذ آفاق لا يقاس عليهم، لأن الأصل الجزائري هو الباقي.. (ما يحول ما يزول..)..
الخبز لا يفسد.. هذا تعلّمناه في الصّغر، فقد ييبس، ويتحوّل إلى «شخشوخة» أو «سفيرية» أو أطباق أخرى من أطايب الطعام، بل إنه يمكن أن يفتّت ويوزع على الحمام، أو يكون علفا للماشية.. في كل الأحوال، «الخبز» لا يفسد، والفساد الحقيقي إنما هو إلقاء «الخبز» إلى المفرغات، فهذه عجيبة غير معهودة في بلادنا..