تقدّم بعض شركات التسوق الإلكتروني نموذجا فريدا بالساحة الوطنية، عن الخدمات التجارية، فهي تضبط عملها وفق دقات الساعة، وتحرص على أن لا تخلف مواعيدها حين توزع على الزبائن مشترياتهم بفعالية كبيرة، وتمرّر – دون قصد– رسالة قوية تفيد بأن العقلية تغيّرت في الزمن الرقمي، وأن التاجر الذي كان (يزيّن) كلامه بالعبارة الشّهيرة (ادّي والا خللّي) لم يعد لديه مكان في عالم التجارة ولا في ميادينها؛ ذلك أن كلّ زبون يحصل على مشترياته، يتلقى رسالة إلكترونية تطلب منه تقييما لـ «خدمة التوصيل» وتقييما لـ «سلوك العون المكلف به»..
أمّا أجمل ما في (العقلية)، فهو أن شراء الحاجات المنزلية، بل شراء معظم ما يحتاجه المغبون في يومياته، لم يعد يحتاج سوى إلى تحميل تطبيق بسيط والتجوال بين (الحوانيت) الافتراضية التي تظهر على واجهته، حتى إذا امتلأت «السّلة» واكتفى الزبون، يطلب التطبيق التسجيل، برقم الهاتف والبريد الإلكتروني، لتبدأ عملية التوصيل وفق ما يتفق عليه الزّبون مع البائع، وتصل المشتريات إلى المنزل سالمة غانمة، لا ينقص منها شيء، فيأخذ عون التوصيل ثمن الفاتورة، ويعود الزبون سعيدا بمشترياته، بعيدا عمّا ينغّص الحياة، لا يمسسه منه شيء. والرائع أن مثل هذه الشركات تتنازل عن ثمن «خدمات التوصيل» إذا بلغت الفاتورة سقفا معينا، تعيّنه في الغالب بألف وخمسمائة دينار، ولا تطالب بثمن الخدمة إلا إذا كانت المشتريات مما هو كمالي يمكن الاستغناء عنه.
وقد يكون واضحا أن (العقلية الرقمية) بدأت تزحف على الحياة، وأن التّاجر الكلاسيكي سيحسّ مع الوقت بضرورة بذل مجهود أكبر من أجل الاحتفاظ بتجارته، فـ «الرقمنة» لا ترحم، وانتشارها يتّسع بسرعة (جنونية) لا يوقفها شيء، قد تكون السّرعة نفسها التي يجب أن يستعيد بها التاجر الكلاسيكي، إلى وجهه، بسمات الاستقبال..