يتجلّى من الأحداث الجارية في العالم والتقلبات الاقتصادية التي أفرزتها كورونا، أنّنا أمام حتمية لا تقبل الانتظار أو التسويف، تفرض علينا تطوير قدراتنا المحلية والإقلاع عن إدمان الاستيراد، والاعتماد في غذائنا وسلعنا الحيوية على الخارج بشكل كبير.
لطالما ردّدنا أنّ البلاد تملك المؤهّلات ويمكنها توفير الحلول، فأين الخلل وما الذي ينبغي إحداثه أو معالجته لتصحيح الأمور والتصدي بشكل جاد وفعال لمشكلاتنا الخطيرة والكبرى في مسألتي الأمن الغذائي والوفرة الاقتصادية؟
إنّ إخضاع المشكلات والتحديات للجان التفكير ونخب الاجتهاد لهو أمر شديد الإلحاح، ذلك أنّ مراجعة تركيبة تخريج الفلاحين والمربين مثلا، بينما نحن نملك مئات الآلاف الخريجين، ورقما معتبرا من البطالين، هو أمر يدعونا لمراجعة إستراتيجية التعليم والتكوين من أجل تخريج فلاحين ومربين محترفين في المجال، قادرين على تسيير مستثمرات كبرى، وتوفير إنتاج أكبر في القطاع الفلاحي، خاصة في المواد الإستراتيجية مثل الحبوب والحليب، في حين أنّ هناك 48 بالمائة من الأراضي الصالحة للزراعة في حالة بور.
لقد نجحت هولندا في تحويل مساحتها الصغرى إلى معجزة كبرى، بطريقتين أساسيتين، وأصبحت بذلك ثاني مصدر زراعي بعد الولايات المتحدة، تمثّلت الأولى في العمل وفق قواعد المعرفة الزراعية، وبالأساس عبر جامعة فاجينج التي كانت الحاضنة العلمية لتكوين كوادر الفلاحة في الأراضي المنخفضة، وإبداع وتطوير طرق استثنائية وسابقة لعصرها في نماذج الزراعة مثل الزراعات الدفيئة والرقمية، أما الثانية فكانت الاستغلال الأمثل والذكي للمساحة أين نجح الهولنديون في تحويل أكثر من ربع المساحة الكلية البالغة 41543 كم مربع، إلى حاضنة إنتاج فلاحي ضخم يغطّي احتياجات الداخل، ويصدر أزيد من 109 مليار يورو / 120 مليار دولار سنويا، وهي المعادلة التي تحتاج الجزائر لتفعيلها والعمل عليها عبر الدمج بين قوة المعرفة وفاعلية استغلال الأرض الشاسعة، والقدرات البشرية الكفؤة.
بالمقابل، فإنّ مراجعة آليات الدعم ليصبح أكثر واقعية وعقلانية وانسجاما مع متطلبات حرية السوق، والسير قدما نحو الرشد الاقتصادي في عمليات الإنتاج والاستهلاك عبر إعادة الاعتبار لأسعار العديد من المنتجات مثل الحبوب والحليب، وجعل سلسلة التوزيع أكثر تنظيما وفعالية، وتنظيم السوق سواء على مستوى الجملة أو التجزئة، لتعد فرس الرهان لأي إصلاح زراعي أو صناعي ناجع.