إجراء غير مسبوق ذلك الذي أقدمت عليه باريس حينما استدعت سفيريها في كانبيرا وواشنطن، تعبيرا عن رفضها ما قامت به أستراليا بإلغاء عقود شراء ضخمة لغواصات فرنسية قيمتها 40 مليار دولار.
الإشكال حسب تصريحات مسؤولين فرنسيين ليس في العقود في حد ذاتها بل فيما اعتبروه «طعنة» على حد تعبيرهم، تلقوها من دول من المفروض أنّها حليفة.
في الواقع، قضية الغواصات ليست مجرد صفقة تسليح عادية، بل تؤشّر لبداية عصر جديد من التّحالفات والاتفاقيات الأمنية، حيث انتقل الثقل السياسي والاقتصادي للعالم من الأطلسي، باعتبار محور أوروبا-أمريكا مركزاً لصناعة القرار العالمي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية إلى المحيط الهادي، وما يشكّله حاليا من ثقل اقتصادي وسياسي وحتى عسكري.
الإجراء الأمريكي بتزويد أستراليا بغواصات نووية رفضته الصين، لاسيما وأنّ كانبيرا ملزمة بالوفاء بتعهّداتها في إطار معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، واعتبرت بيكين هذا الإجراء يهدف إلى حشد الحلفاء ضدّها.
لم تنتظر الصين كثيرا لتستعرض قوتها الاقتصادية الهائلة وأدوات التأثير لديها، عندما اتّخذت قرارات هوت بأسعار خام الحديد في البورصات العالمية من 200 دولار للطن إلى أقل من 100 دولار، لاسيما وأن أستراليا تعد أكبر مصدِّر لخام الحديد في العالم، ويشكّل 40 ٪ من صادراتها السّلعية، وتهاوي الأسعار يؤثّر دون ريب على معدلات النمو الكلية للاقتصاد الأسترالي في ظل الجائحة.
وإن كان الإجراء مجرّد «لسعة دبور»، وتنبيه من التنين الصيني لما يمكن أن يفعله بعيدا عن القوة العسكرية.
الخلاف الفرنسي-الأمريكي، قد يؤدّي في نهاية المطاف إلى تقارب فرنسي-صيني، كما أنّ تزويد أستراليا بغواصات نووية يجعل من احتمالية تسهيل الصين وحليفتها روسيا لبعض الدول من امتلاك أسلحة نووية أمرا غير مستبعد في لعبة توازنات دولية جديدة غير محمودة العواقب.