أزيد من تسعة ملايين تلميذ يلتحقون اليوم بالمؤسسات التعليمية في الأطوار الثلاثة معلنين بذلك بداية سنة دراسية ستكون قريبة من العادية مقارنة بالموسمين الماضيتين، فالوباء فرض قيوده على الدراسة وأرغم المشرفين عليها شطب فصل كامل من الدراسة، ومنذ سنتين اكتفت الوزارة الوصية بفصلين فقط من الدراسة حاولت فيهما إعطاء التلاميذ أكبر قدر ممكن من المكتسبات المعرفية.
تزامن الدخول المدرسي لهذه السنة مع خروج الجزائر من موجة ثالثة سيطرت عليها السلالة المتحورة «دلتا»، ودخولها في «موجة» غلاء استعرت نارها حتى أفقدت المواطن توازنه المالي وجعلته يقترب أكثر فأكثر من عتبة الفقر، في صورة أثرت سلبا على الدخول المدرسي لهذه السنة، فالتجار عندنا أتقنوا فنون استغلال الفرص الذهبية لـ»سلخ» ما تبقى من جلد المواطن عن عظمه، بعيدا عن أي اعتبارات أخلاقية أو إنسانية.
اليوم، سيفعل الأولياء المستحيل حتى يلتحق أطفالهم بمقاعد الدراسة دون أن يؤثر انهيار القدرة الشرائية على مقتنياتهم ومشترياتهم، وبعيدا في جنح الظلام بعد أن ينام الأطفال وحتى لا يشعر الأبناء بالدوامة التي يعيش داخلها الاولياء، تبدأ مشاوراتهم حول الطريقة المثلى لتأمين كل المستلزمات المدرسية، وبين خيار الاستدانة وانتظار المساعدات التي تقدمها الدولة أو الجمعيات يشعر الأولياء بضعف وهوان وقلة الحيلة أمام عجزهما عن توفير تلك الأدوات.
وبعيدا عن كل تلك المساعدات، كشفت الأزمات تحوّلات جذرية في المجتمع الجزائري فقد معها الفرد الكثير من علاقاته الاجتماعية خاصة الجيرة التي أصبحت محصورة وضيقة، وبينما كان الجار أهم عنصر يقدم المساعدة لجاره في الدخول المدرسي، من خلال توزيع الكتب والأدوات المدرسية على الجار الفقير أو المعوز أو الذي يمر بظروف صعبة، أصبحت اليوم مرتبطة برقم الشقة والطابق فقط.
كانت الجيرة منذ قرون مصدر أمن للمجتمع بسبب قرب الجار لجاره بل هو أقرب في بعض الأحيان من العائلة، لكن ومع التغيرات الاجتماعية وُضع في خانة الغريب وأصبح كل فرد يعتمد المثل الشعبي «تخطي راسي» قاعدة أساسية لتسيير علاقاته الاجتماعية، ما أفقد الأفراد كثير من مصادر «الأمن» النفسي، لأننا أمام حالة اغتراب روحي جعلت الجميع يتصارع وحيدا مع سقطات الحياة وعثراتها.