غدا على الساعة الثامنة صباحا ستفتح مدارس الجزائر أبوابها نحو المستقبل، مستقبل يتلخّص في أجيال متعاقبة يصنع اجتهادها، تفانيها ومثابرتها الغد الذي نتمناه لكل مجد. غدٌ تجتمع في تفاصيله آمال وأحلام آباء وأمهات، وكل من يرى فيهم «عثرات» حياة لم تتحقّق، سقطات حوّلت طريق كثيرين منّا إلى ما لم يخطر على بال أحد.
لذلك وبالرغم من نجاح كثير من الأولياء في تحقيق مسيرة مهنية جديرة بالاحترام، إلا أنهم غالبا ما يبقون سجناء حلم أو أمنية ظنوا أنهم محققوها في المستقبل، لكن ولأنّ مفاجآت الحياة كثيرة يبتعدون مع مرور الزمن عن هذا الحلم ليدفن في مقبرة «الأمنيات»، ومع أول طفل يرزقون به ينبعث الحلم من تحت رماد ليشعّ، وينتقل إلى ذاك المولود الذي سيحمل على عاتقه تحقيق ما فشل فيه الأولياء.
غالبا ما يكون الحلم أو المهمة المكلف بها في المهد التّخصّص الذي طالما كان بالنسبة للأولياء قمة النجاح وذروة دورة تحقيق الذات، وفي خضم السّعادة العارمة بانبعاث الحلم من جديد يتناسى الأولياء أنّهم أمام ابن مستقل عنهم بتركيبته النفسية، ولا يمثل بأي حال من الأحوال «ملحقة» تحت سيطرتهم الكاملة والتامة، فكثير من المرات يجد الأبناء أنفسهم في مشوارهم الدراسي أمام حتمية اختيار ما يتلاءم ورغبات آبائهم، دون الأخذ بعين الاعتبار قدراتهم وميولاتهم العقلية والعلمية.
وكأنّي بهم يعيشون تحت «انتداب» اسمه الأولياء يشبه بقاء الانظمة تحت انتداب الدول العظمى، لذلك يجد كثير من التلاميذ والمتمدرسين صعوبة في التأقلم مع رغبات أوليائهم وتكييف قدراتهم وأحلامهم معها، الامر الذي ينتهي في أغلب الأحيان بفشل ذريع تكون «مرارة» النجاح أقصى تجلياته، فعندما لا يشعر الناجح بحلاوة ما حققه بسبب عدم اقتناعه بخياراته الدراسية، سنكون عندها أمام تكرار ما حصل سابقا، يدفن أمنياته في الزاوية المظلمة من ذاته، في انتظار من يأتي لإنعاشها من جديد.