المثل القائل بأنّ “لا صداقة دائمة بين الدول وإنما الدّائم هي المصلحة” ينطبق بحذافيره مع ما يجري هذه الأيام بين فرنسا وصديقتيها أمريكا وبريطانيا، اللتين “طعنتاها” في الظهر بعد أن راودتا أستراليا عن نفسها، وجعلتاها تمزّق عقدا كانت وقّعته مع باريس لاقتناء غواصات ذات دفع نووي قيمته 56 مليار يورو لتوقّع آخر معهما، وتجد فرنسا نفسها تتجرع مرارة الإهانة والخيبة من غدر حلفائها، الذين لم يضعوا حسابا للصداقة التي تجمعهم، ولا للعلاقات التي تربطهم ضمن حلف واحد، ولا حتى للأخلاق والقوانين التي تقوم عليها صفقات البيع والشراء.
الطعنة الغادرة التي تلقتها فرنسا من حلفائها، الذين لطالما خدمتهم برموش أعينها، وشاركتهم حروبهم وحصارهم للدول والشعوب التي توصف ظلما وعدوانا بالعدو المارق، كانت بالقوة التي جعلتها تخّر صريعة لترتطم بالأرض وتستفيق على حقيقة كانت على ما يبدو غافلة عنها، وهي أن الصداقة بين الدول مرتبطة بما يمكن أن تقدمه من مصلحة وفائدة مادية، وغير ذلك فهي علاقات متغيرة ومتلونة بحسب الظروف والأوضاع، وهنا نقف عند حقيقة لا لبس فيها، وهي أن الدول الغربية المتعالية المترفة التي بنت قوتها وغناها على حساب الشعوب الضعيفة، والتي تصر دوما على منح دروس في الأخلاق والديمقراطية والحضارة والسلوك الحسن، غالبا ما تأتي أفعالا متناقضة تماما وكأني بها تقول “افعلوا ما أقول لا ما أفعل”.
تلقّت فرنسا الصفعة ومعها إهانة وخديعة لم تتلقاهما في تاريخها، والأكيد أن هذا الألم الذي جعلها تتخبّط كالذبيح سيعلّمها الكثير من الدروس، لعل أهمها، الوجع الذي يأكل أفئدة الشعوب التي تقع في شرك كبار الكون وتتعرض للإجتياحات العسكرية والعقوبات والتجويع والترهيب...
وبعيدا عما يمكن أن تعيشه باريس هذه الأيام من بؤس، يمكن التأكيد أيضا بأن “صفقة الغواصات” قد تكون بداية لمرحلة جديدة من العلاقات الدولية، تتغير فيها التحالفات والأولويات وحتى الأهداف.