يعرف المجتمع في السّنوات الأخيرة تحوّلات كبرى قلبت موازينه رأسا على عقب، أسست لشريعة جديدة قواعدها مختلفة، بل تكاد تكون مناقضة لتلك التي تربّى جيلنا عليها، لدرجة أن كثيرا من الأولياء يشعرون بوجود هوّة تفصلهم عن أبنائهم تزداد اتساعا مع مرور الوقت.
كان للتكنولوجيات المعاصرة الدور الأكبر في اتساعها المتزايد، لذلك وجد الأولياء أنفسهم يعانون أمية خاصة مختلفة عن تلك المرتبطة بالقراءة والكتابة، لأنّها أمية تكنولوجية بكل ما تعنيه الكلمة، خاصة وانها في بعض الاحيان تتجاوز قدرة الاولياء على استيعابها وفهمها.
فغالبا ما يجد الطفل أو المراهق أمام “معضلة” شرح التطبيق أو اللعبة لوالديه لأنه عاجز عن تفسيرها بكلمات بسيطة، خاصة إذا تعلق الأمر باللعبة المُخدر “فري- فاير”، فعندما يتحدث عن جولة عالمية يتنافس فيها مع أجانب من مختلف بقاع الارض دون الاضطرار الى تغيير مكانه قيد أُنملة، يصبح الأمر كمن “يفسر الماء بعد جهد جهيد بالماء”.
العجز عن فهم تغلغل الابن في عالم التكنولوجيا وتنقله السريع بين هذا وذاك، ومن هنا إلى هناك دون حاجة إلى جواز سفر، يجعل الكثير من الاولياء يتعاملون مع الإدمان التكنولوجي لأطفالهم بعنف وصرامة تكون في اغلب الاحيان عواقبها وخيمة على الروابط الاجتماعية داخل الأسرة الواحدة، لذلك يلجأ كثير من الابناء الى الشارع بحثا عمن يفهم عالمهم الخاص المليء بمفاهيم رقمية تحصر الإنسان بين العددين واحد وصفر.
يصطلح البعض على تسمية ما تعيشه الأسرة في السنوات الاخيرة بصراع الاجيال للتعبير عن حالة الانقسام والتهلهل الذي تعرفه النواة الأولى للمجتمع، لكن ومن جهة أخرى تسبّبت هشاشة الروابط العائلية في جرائم من نوع خاص الجاني والمجني عليه فيها ضحية.
معطيات تكنولوجية لم نستطع كمجتمع استيعابها والتأقلم معها، بل عجزنا حتى عن استغلاله فواجهناه برفض عنيف أثّر سلبا على مناحي حياتنا المختلفة.