مع نسائم الخريف الأولى تهب داخل كل واحد منا رياح التجدد والتغيير في دخول اجتماعي ارتبط دائما بشهر سبتمبر، تنتهي فيه العطل ويحزم فيه كل مسافر امتعته للعودة الى البيت والحياة، ومع بداية تلون أوراق الشجر بصفرة ذهبية يضع كل عائد الى عمله مخطط سنة أخرى تضاف الى خبرة تأخذ منا أحلى سنوات العمر، ودون ان ندري يسير قطار العمر على سكة آخر محطاتها قدر محتوم.
بعدما كنا صغارا نعد أيام عمرنا، صرنا نعدها عقودا تتوارى وراءها طفولة بريئة لتتراءى من بعيد أفول انسان خُلق ليترك بصمته في كتاب اول صفحاته كتبت سطورها في جنة النعيم، واليوم ومع نسائم الخريف يترجل الصيف ليترك الزمن لفصل تحن فيه النفوس الى جوهرها وفطرتها المغتربة في عالم تكاد تمحو التكنولوجيا معالمه.
مع نسائم الخريف الأولى علينا ان نعي سر المعادلة الإنسانية في عدم اكتفائها بالجسد او الروح فقط، فالكائن البشري اتحاد بينهما في الأول حياة أولى واختبار الجسد الميداني امام الشهوات والرغبات، واما الثانية فمحطة الخلود الابدي، لذلك تأتي تلك النسائم لتُذكرها برسالة الانسان على الأرض، بالعمل وبذل الجهد من اجل تحقيق الذات في إطار مقتضيات المرحلة.
وبعيدا عن وصف سبتمبر بشهر الاكتئاب هو شهر نستجمع فيه قوانا لبداية مرحلة جديدة من حياتنا نضع فيه أهدافا يمثل اجتماعها مشروع امة تستميت من اجل البقاء، فعندما تعلو في اهدافنا المصلحة الشخصية على المصلحة العليا للوطن، ننتقل بها الى توصيف جديد يكون أقرب الى الخيانة والخذلان، لذلك علينا ان نُعلم ابناءنا ان الخريف فصل للعمل وليس للبكاء على اطلال النفس عندما تتساقط «اوراقها»، فالصفرة المذهبة لون الحياة عندما تشع انوارها املا وتفاؤلا.
يعاني كثير منا اكتئابا شديدا مرتبطٌ بالعودة الى روتين العمل اليومي، فمع اقتراب موعد العودة، ترى الكثير منا منكسرا، مهزوما، يُلملم أجزاء روحه المتبعثرة، وكأنه مقبل على مهمة «مستحيلة» تزيدها العلاقات الاجتماعية الهشة تهلهلا، لكن ومع نسائم الخريف الأولى علينا ان نُتقن فن إدارة العلاقات الاجتماعية سواء في العمل او أي مكان نتواجد فيه بعيدا عن نفاق اجتماعي يؤدي لا محالة الى شقاق وتصدع وخلق جو متوتر يبعد المجتمع عن مهمة وطن.