أسواق النفط تجاوزت منذ أشهر مرحلة خطر التهاوي، وابتعدت كثيرا عن هشاشة الأسعار، بعد قفزها فوق 70 دولارا بفضل التكتيك الحذر والدقيق الذي انتهجته “أوبك+” منذ السنوات القليلة الماضية، حيث عرفت كيف تمسك بخيط التوازن الذي يبقي على شهية الاستثمار في هذا القطاع الاستراتيجي الهام وتبث الكثير من التفاؤل وسط المنتجين الذين عانوا طيلة الوباء، وفي كل مرّة تظهر نسخة جديدة من الفيروس تتدرج الأسعار نحو الأسفل، لكن من دون أن يؤثر كثيرا على توازنها.
«أوبك+” تلتقي في الفاتح سبتمبر، ليتزامن اجتماعها الجديد مع محاولة العالم تجاوز آثار المتحور “دلتا” الذي حاول بعنف بطشه أن يوقف مرة أخرى آلة الإنتاج ويقيّد السفر والطيران والحركية، لكن تسارع وتيرة التطعيم حفّزت الاقتصاديات على التخطيط لمرحلة جديدة من النمو، رافعة تحدي تصحيح ما دمّره الوباء للحياة وللنشاط الاقتصادي. إذن في اللقاء المقبل ستكون الدول المنتجة للنفط في إطار “أوبك+” حاضرة بعزيمة قوية لمواصلة المزيد من التقدم والنتائج الإيجابية التي أرست قطيعة مع الهشاشة وضبابية السوق.
«أوبك” مدركة جيدا لتطورات السوق وتحوز على استشرافات مبنية على خبرة ورؤية وحقائق لا يمكن أن تتغير بسهولة، ومع ذلك تأخذ بعين الاعتبار العديد من الفرضيات وتحضّر لكل السيناريوهات الطارئة، وهذا كله ما بث الطمأنينة في نفوس المستثمرين حيث تجدّدت آمالهم في نمو الطلب بفضل القدرة الفائقة على مواجهة الوباء التي أعادت إشعال التوقعات الإيجابية في أسواق النفط، وقد تتمكن الأسواق من تحقيق المزيد من المفاجآت الإيجابية، إثر الحديث عن اقتراب نهاية العمر الزمني للفيروس والذي قد يضمحل بعد سنتين من ظهوره.
التعافي المستمر والتاريخي الذي افتكه برميل النفط ثمين، لأنه جاء وسط حدّة الوباء، لذا لا يمكن أن يفرط فيه المنتج بسهولة، في ظل سلسلة من التوقعات الإيجابية التي تحرك بقوة تسارع وتيرة تعافي الطلب، خاصة نجاح الصين في محاصرة متغير “دلتا”، وتحسن الوضعية الوبائية بفعل انخفاض كبير ومهم على مستوى الإصابات الجديدة. وأمام استبعاد العودة إلى سيناريو تذبذب الأسعار وهذا ما تدركه “أوبك” وشركائها، لأنها على يقين أن كل العوامل متوفرة لتجاوز أي هشاشة، على خلفية أن أسعار النفط الخام تتلقى اليوم دعما آخر من بيانات إدارة معلومات الطاقة، التي كشفت انخفاضا في مخزون الخام الأمريكي بما لا يقل عن 3 ملايين برميل إلى 432.6 مليون برميل للأسبوع الماضي، وبالإضافة إلى كل ذلك تضيء هذا المسار الإيجابي العديد من التطورات الإيجابية بفضل الأداء المتطور على مستوى الاقتصاديات الكبرى.