في دردشة مع واحد ممّن يزحفون إلى السّتين، قال إنّ الحياة انقلبت به في إرضاء الآخرين، ولم تمنحه أحدا يرضيه، فهو حين كان صغيرا، كان الجوّ العام يتوجّه إلى احترام الكبار، وتوقير المسنّين، والتعبير عن الإذعان والسمع والطاعة، و(اللي ما عندوش اكبيرو.. الهمّ تدبيرو).. وبقيت الحال كذلك، إلى أن استوى العمر بصاحبنا، وبلغ مبلغ أولئك الذين ينبغي أن تكون لهم الكلمة المسموعة، وإذا بالجوّ العام ينقلب رأسا على عقب، ويصبح الكبير مطالبا باحترام الصّغير، حفاظا على شعوره، ومطالبا بالإذعان لليافع، اعترافا بفضائله التكنولوجية ومعارفه العصرية، ومطالبا بالسير على مناهج الشباب، انصياعا لعولمة الديمقراطية.. وهو ما يعني – في الأخير – أنّ صاحبنا كان صغيرا مضطرا إلى طاعة الكبار، وكبر فاضطرّوه إلى طاعة الصغار.. وسبحان الله الذي لا يموت..
هما جيلان على الأقل، يمثلان ضحايا عولمة فكرة «الشباب»، لا انتفعا في الشباب، ولا نفعا في الشّيخوخة، ومرت الحياة بهما وهما يحاولان أن يقدّما الأفضل.. مع الأسف.. وقعا بين فكيّ فكرتين مغالطتين عن الشباب.. الأولى تجعله شيطانا رجيما، والثانية ترفعه إلى مقام حامي الحمى، دون أن يخطر على بال بأن الشيطان إنما أقام واطمأن في الفكرتين معا، وأنّ الشاب يمكن أن يكون أكثر حكمة وحلما من الشيخ، تماما مثلما يمكن للشيخ أن يكون صانع تكنولوجيا، وليس مجرّد مستعمل لتطبيقات حمقاء، يوصف بأنه متمكّن من التكنولوجيا!!..
الحاصل إذن.. لا نرى هناك شيوخا وشبابا، وإنما ننظر إلى مستوى الفعالية، وأساليب التحليل، والقدرات العقلية، والكفاءة والنزاهة والرّوية والحكمة، ثم نصف الأفضل بأنه «شابّ» حتى إن كان في الثمانين، ونصف الأسوأ بأنه «شيبوخ» حتى إن كان في العشرين..
أمّا (لعب الذّر.. فهو للذّر)..