كشفت الأحداث التي تشهدها أفغانستان بالدليل القاطع فشل التدخلات العسكرية في الدول بعد تسجيلها لنتائج كارثية على أرض الواقع، وفوق ذلك ثبت عدم جدواها لأن واشنطن لم تتمكّن طيلة عقدين كاملين من تغيير واقع الأفغانيين وفشلت في رسم مستقبل أكثر أمانا واستقرارا بعد أن عاد هذا البلد الذي مزقته الحروب كما الأطماع الخارجية، إلى نقطة الصفر بعد احتشاد أفغانيين وأجانب في مطار كابول للهرب من هذا البلد الغني بالثروات الباطنية، نحو وجهة مجهولة تاركين أرضهم وبيوتهم وربما عائلاتهم، لأن العديد من الأسر التي تمّ إجلاؤها لم يركب أفرادها نفس الطائرة، ولم يتوجهوا إلى نفس المقصد، وسط تعدّد مآسي البلد في ظل مشاهد تراجيدية بسبب عدم الثقة في من تسلموا الحكم، وبذلك عادت افغانستان إلى المربع الأول مع اشتداد خناق خيبة الأمل واليأس وتضاعف شدّة الخوف وانعدام الطمأنينة والأمان.
بالرغم مما خسرته واشنطن من أموال وأرواح بشرية على خلفية إنفاقها ما لا يقل عن 150 مليون دولار يوميا طيلة 20 عاما في عهدة أربعة رؤساء أمريكيين، يضاف إليها سقوط ضحايا مدنيين وعسكريين، إلا أن حركة طالبان التي لا ترغب واشنطن في التفاوض معها ولا إقامة علاقات رسمية مع قياديها، عادت بقوة وسيطرت على زمام الأمور واضعة الأمريكيين أمام الأمر الواقع، وهذا ما عكس فشل أمريكا في تحقيق التغيير الذي تلاشى منذ ما يزيد عن أسبوع.
تطورات قلّبت الحقائق، لأن الوضع الجديد بأفغانستان يجر للحديث عن التدخل العسكري الفرنسي منذ عام 2013 في منطقة الساحل، لكن آلة الإرهاب الدموية عادت لتحصد أرواح الأفارقة الأبرياء وتصادر حقهم في الحياة، بل اشتدت وطأة الجماعات الإرهابية الدموية وصارت تنتقم وتنكل بالشعوب وتسطو وتختطف وتتمادى في طلب الفدية لتضمن استمرارها.
تصاعد العنف ضد المدنيين بمنطقة الساحل، عمّق من معاناة المدنيين ولم يجلب هذا التدخل العسكري سوى المزيد من اللعنة وتدفق الكثير من الإرهابيين على المنطقة. وكان الأحرى بالدول التي تتبنى خيار التدخلات العسكرية تحت غطاء أو بحجة مكافحة الإرهاب وتحسين حياة الشعوب وتكريس الديمقراطية، أن تقيم مشاريع تنموية ترفع الغبن عن الفقراء والمحرومين، كأداة وحيدة قادرة على امتصاص الإرهاب من دون تكبد الخسائر الجسيمة سواء مالية أو بشرية.
تكلفة ثقيلة خلفتها فاتورة التدخلات العسكرية، خاصة بالنظر إلى آثارها المستقبلية على البلدان الضعيفة، أي تتركها تئن وترحل من دون أن تقدم حلولا ترمم الجروح، مثل ما تعانيه منطقة الساحل الإفريقي والصحراء الكبرى التي تتقاطع فيها الحدود بين مالي وبوركينافاسو والنيجر، لأن شرّ الإرهابيين مازال قائما يهز استقرار المنطقة باستمرار.