يموتون في وحدة قاتلة بعيدا عن عائلاتهم البعض منهم أب أو أم لأكثر من أربعة أبناء، يموتون بعيدا عن ذويهم بالرغم من أنهم الأصل الذي جدّد المجتمع بأسر وعائلات جديدة، ماتوا دون شربة ماء وهم كالشجرة المتفرعة لهم الأبناء والأخوة والأقارب، الموت الفاجعة ألمت بالعديد من الأسر الجزائرية المنطوية على نفسها في رفض صارخ لربط علاقتها بالعائلة الكبيرة، حتى وصل ببعضها إلى درجة قطع رابطة الأبوة بين الأبناء والأحفاد والأجداد.
في كثير من المرات أتساءل عن سبب الجفاء والقسوة الذي تعانيه علاقاتنا الاجتماعية ونحن مجتمع يدّعي «الالتزام» بتعاليم الإسلام، الذي وضع طاعة الوالدين بعد طاعة الله، كيف لابن أن يعق أبا أو أما أفنيا حياتهما من أجل تربيته وتعليمه ومساعدته على بناء مستقبله، كيف لهؤلاء أن يتنكروا لمن ضحى بكل شيء ليوفر لابنه كل شيء.
شكلت حادثة اكتشاف جثة أستاذة جامعية بعد ستة أيام من وفاتها صدمة كبيرة للمجتمع الجزائري وصورة واضحة عن تصدّع العلاقات الاجتماعية داخله، فقد أصبحنا نعيش حالة من العزلة الاجتماعية حتى داخل الأسرة نفسها، فلا يمكن تخيل أحد يسأل عن سيدة تعيش وحدها في مسكن مستأجر وهي في سن تجاوز الستين.
أصبح التهرّب من واجبات الفروع تجاه الأصول السمة السائدة في السنوات الأخيرة حتى صار البعض منهم لا يتوانى في رميهم إلى الشارع أو في دار المسنين خوفا من «أعباء زائدة»، لتتحوّل الحياة إلى مجرد حسابات دقيقة لـ»المخروج» و»المدخول» لا مكان فيها لأب أو أم أو أخت أو أخ، فمراكز الدولة كفيلة بتقديم ما يعجزون عنه.
هي حالة من الاغتراب الإنساني وتجرّد تام من كل القيم والأعراف الاجتماعية وانسلاخ كامل عن تعاليم الدين الحنيف، عقلية «تخطي راسي» تجذرت في المجتمع لدرجة انقسام الأسرة إلى مجرد أفراد يجمعهم مسكن، أما ما دون ذلك فيعيش أفرادها في مجتمع افتراضي علاقاته تؤسس بكبسة زر وتنتهي بإلغاء اشتراك.