(هوشة) «ثقافيّة» جديدة أوقد نيرانها عدد ممّن يوصفون بأنّهم المثقفون (والعياذ بالله). ولقد شحذت الرواقن، وتدلّت الألسن، وشخصت الأبصار، وإذا أزرق التواصل الاجتماعي يكتسي سوادا من الكلام القبيح، وشيئا كثيرا من التكفير، والمنكر والنكير، ثم بدأ استعمال الـ(VAR)، فتهاطلت الفيديوهات، وسالت مضادّاتها، وهاج القوم وماجوا، وتفنّـن المتابعون في تنضيد كل ما يمكن أن يعرض من (الشتائم) الخارقات الحارقات، وتحوّلنا في مدى زمني قصير إلى (فرجة) عالمية، ولله الحمد من قبل ومن بعد..
ولقد حاول بعضهم تزيين (الفرجة) التي اصطنعها «المثقفون» (والعياذ بالله)، فوصفوها بأنّها تدخل في باب «المعارك الأدبية»، وهذه ظاهرة عالمية مفيدة يترقّبها القراء في كل أنحاء المعمورة ويتمنّون لو يحظون بخلاف شديد بين كاتبين كبيرين، فتتضاعف الفوائد وتتراكم المعارف؛ ذلك أن «المعركة الأدبية» تتعلق – كما هي طبيعتها – بخلاف في واحدة من قضايا الأدب، أو ما يقاربها من قضايا العلوم الإنسانية، كمثل المعارك التي قادها زكي مبارك، وتلك التي خاضها طه حسين ومحمود شاكر والرافعي، أو الحوار الذي صاغه محند تازروت ليهد عنصرية آرتير دو غوبينو.. هنا نتحدث عن معارك.. غير أن الأمر عندنا مختلف؛ فـ(الهوشة) تحاول أن تلبس لبوس المعركة الأدبية، ولكنها، بحكم تكوينها البسيط، ومعارفها المحدودة، وأخلاقها البائسة، ولونها المائل إلى (القهوي)، لا تجد قضية تناقشها، ولا موضوعا تصوغه، فهي فارغة لا تحتكم على مفهوم، ولا تكاد تفقه قولا؛ لهذا، تتناول أقرب ما يكون منها من كلام الشارع، وتصوغه في عبارات تجمع المجاز بالواقع، وتجعل الفرجة مجانا..
قلنا دائما، إنّ تحقير العلوم الإنسانية سيأتينا بفاتورته لندفع بدلها أضعافا مضاعفة في الوقت المناسب، وما نعيش من هوشات هؤلاء الذين يوصفون بأنهم «أهل ثقافة» (والعياذ بالله)، هو نتيجة طبيعية لتخصيص الإنسانيات لمن يمرون إلى الجامعة بـ»الإنقاذ»..