رفع الجزائريون في مختلف ربوع الوطن شعار إعادة تشجير الغابات المحترقة لمحو آثار الرماد والخراب اللذين خلفتهما الحرائق، في رسالة واضحة أن الحياة مهما كانت كسراتُها لن تهزم إرادة البقاء والتجدّد رغم الأزمات، في إعلان صريح عن فشل «محاولة «لي الذراع»، فلا النار ولا مخططات التخريب ولا الكوارث الطبيعية على مرّ السنين استطاعت زعزعة شعب ترسّخت جذوره منذ آلاف السنين.
مع كل شجرة تُغرس تتجدّد حياة أرض تكالبت عليها المحن حتى ظنّ البعض أنها لم تعد قادرة على البقاء، بل شكّك البعض في إمكانية نمو النبات والشجر عليها مرة أخرى، لكن الشجرة غالبا ما كانت حياة الأرض وأمل الشعوب والمجتمعات في التطوّر والتقدّم، لأن الغرس ثبات ورسوخ في الأرض، فالشجرة تتجاوز معنى أحد أشكال الحياة النباتية إلى أحد أهم تحدّ من النقيض للنقيض كالنور للظلام، والحب للكراهية والأمل لليأس، والسلام والأمن للحرب، وكذا قدرة الحياة على الانبعاث من رماد هالك.
عندما أطلق مشروع السدّ الأخضر ثماني سنوات فقط بعد الاستقلال كان رسالة واضحة هي أن الجزائر انتقلت إلى مرحلة جديدة جوهرها نماء وتجدّد، تركت إرث سنوات الجمر والنار لتبدأ خطوات الثبات على مشروع أمة تحمل رسالة شعب أبي رفض الإبادة الجماعية والتعتيم المتعمد على وجود شعب ضاربة جذوره في عمق التاريخ الإنساني، فكان هذا السدّ الذي غرس أشجاره سواعد أفراد الجيش الشعبي الوطني من خلال الخدمة الوطنية لمحو آثار مستعمر كانت سياسة الأرض المحروقة أهم مشروعاته «الحضارية» في الجزائر.
واليوم، وبعد أن خمدت النار نحن أمام رهان النماء والتجدّد فلن تكفي النار لكسر عزيمتنا في التقدّم، لذلك كانت الشجرة أول مهمة نضعها على عاتقنا، تستعيد بها الأرض روحها وتتجدّد معها حياتنا لأنها كانت وما زالت رمز السلام والاستقرار والثبات في الأرض ودعامتها حتى لا تنجرف تربتها بسبب سيل جارف، وهي شجرة النسب التي تعدّدت فروعها وأغصانها، لكن الأصل دائما واحد، وهي كذلك لأنها شجرة ترسل خُضرتها من رماد نار حارقة أملا في غد أفضل.