لكي نفهم ما يحدث في منطقة الساحل الإفريقي والصحراء الكبرى من تصاعد لوتيرة الهجمات الإرهابية ضد المدنيين والعسكريين على حدّ سواء، ينبغي فهم أطر وآليات عمل التدخّل الأجنبي في دول هذه المناطق، وعلاقة ذلك بأطروحة حفظ السلم والأمن المتبناة من الأمم المتحدة، وكذلك المصالح الدولية التي تضعها البلدان المتدخلة في قائمة الأولويات.
فالواقع الذي تعيشه أغلب دول الساحل الإفريقي، هو نتاج سياسات الدول الاستعمارية السابقة، وعلى رأسها فرنسا التي زجّت بالمنطقة في حروب لا متناهية بحجة مساعدة حكومات الدول على التصدي للتطرّف الذي ينتج الإرهاب، غير أن الدول الكبرى تغضّ الطرف عن سياسات فرنسا في المنطقة باعتبارها المستعمر السابق ووفق اتفاق «سايكس بيكو» المحدّد لنطاق توسّع النفوذ في العالم الثالث.
وفي هذا السياق، عملت باريس من خلال نفوذها القديم في دواليب سلطات بلدان الساحل الإفريقي، على تأسيس خلايا نائمة تسهر على حماية مصالحها ومصالح الأنظمة الفاسدة وغذّت التطرّف العرقي والإيديولوجي لنشر الفوضى بين الشعب الواحد، على غرار ما حدث في جمهورية مالي لولا جهود الجزائر لتطويق الأزمة ومعالجتها بحلول سياسية عبر اتفاق السلم والمصالحة الموقّع بين الأطراف المعنية وهو ما جنّب مالي التفكك.
كل ما يحدث في منطقة الساحل والصحراء ليس بمنأى عما نعيشه من إرهاصات لتغيّر النظام العالمي، لاسيما بعد انتشار فيروس كورونا وما تلاه من تصاعد لحدة التنافس الدولي والتسابق على مناطق نفوذ في الجنوب، ودخول قوى دولية جديدة على محور الصراع قد يؤجج الوضع أكثر في القارة السمراء عبر منطقة الساحل التي تحوّلت إلى بؤرة توتّر مقلقة للضفة الشمالية من خلال تنامي ظاهرة الهجرة غير الشرعية.
هذه التحولات، كان يمكن تفاديها عبر تبني مقاربة التنمية لمحاربة الفقر وهشاشة الدول عبر رعاية خاصة من طرف منظمة الأمم المتحدة التي أضحت للأسف الشديد في قبضة قوى غربية تحمي مصالحها على حساب مصالح الشعوب الضعيفة.