عرفت أفغانستان، بحر هذا الأسبوع، أحداثا متسارعة لاسيما بعد انسحاب القوات الأمريكية وتداعي النظام الحاكم في مشهد درامي مفاجئ، صاحبه عودة «طالبان» إلى الحكم من جديد بقوة السلاح.
هذا السيناريو الذي أصبح واقعا، جاء معاكسا لتقارير المخابرات الأمريكية التي أكدت، في وقت سابق، أن القوات الأفغانية المدربة والمسلحة يمكنها التصدي لطالبان والقتال لمدة عام على أقل تقدير بعد الانسحاب الأمريكي الكامل، إلا أن كابول سقطت وأمريكا لم تُـجلِ رعاياها بعد.
في 50 سنة الماضية، لا توجد دولة واجهت أقوى جيشين في العالم وخرجت منتصرة أو لنقل لم تنهزم أو تستسلم مثل أفغانستان والتي تعتبر تاريخيا مقبرة للغزاة. فقد تكبد السوفييت خسائر فادحة، مادية وبشرية، في ثمانينيات القرن الماضي، بعد أن فشلوا في تطويع المحاربين الأفغان.
واليوم، أمريكا تشرب من نفس الكأس، بعد أن أنفقت طيلة 20 سنة الماضية ما يزيد عن 1000 مليار دولار وخسارة 2500 جندي، بالإضافة الى آلاف الجرحى.
الغزو الأمريكي لأفغانستان والمراحل التي مر بها من البداية حتى النهاية، يسمح باستخلاص العبرة. فالغزو والاحتلال الأجنبي، مهما طال أمده، فمصيره الإخفاق والهزيمة حتى لو كان المحتل أكبر قوة عسكرية يدعمها حلفاؤها الغربيون وهذه رسالة لبعض الدول لتفهم وتعي أن الاحتلال مصيره الزوال، مهما طال والداعمين له.
التجربة الأفغانية أكدت من جديد أن الحلول الأمنية البحتة والتدخلات العسكرية غير محسوبة العواقب لا تحل المشاكل الداخلية للدول بل تعقدها. فطالبان التي صنفتها واشنطن وعديد الدول تنظيما إرهابيا، عادت للحكم بعد أن أجبرت أمريكا على الجلوس معها حول طاولة المفاوضات.
لذلك، المتخاصمون في مالي عليهم استيعاب فكرة عدم قدرة التدخلات العسكرية الأجنبية على حل النزاع، والحلول السياسية التي طرحتها الجزائر تبقى أفضل خيار، والأقل خطورة وليس للجزائر أي أطماع في مالي وتحظى بثقة طرفي النزاع.
المؤكد أن الشعب الأفغاني هو الضحية الأولى لهذه الحرب، كما أن شركات السلاح هي الفائز الأكبر منها، حينما تدفع الإدارة الأمريكية الى افتعال حروب جديدة في كل مرة.