لن نخوض في تفاصيل الجريمة المروّعة التي هزّت الجزائر نهاية الأسبوع الماضي، لكن لا يجب التغاضي عن كونها مؤشرا اجتماعيا مهما يتعلق بالحركية المجتمعية التي خلقت عديد الظواهر المرتبطة أساسا بما أفرزته العشرية السوداء من ردات فعل سلوكية، ستكون مدمرة إن لم يتمّ احتواؤها من خلال دراسات اجتماعية تتعمق في بحث سلوك الفرد الجزائري الذي أصبح العنف أكثر لغة يتقنها وإن اختلفت أحرفها.
ولن يختلف اثنان أيضا حول الآثار السلبية للصدمة النفسية لكثير ممن عايشوا فظاعة الإرهاب، فكثيرون يشهدون بأن أغلب من عايشت فترة طفولته ومراهقته تلك الحقبة السوداء يتميزون بشخصية عدوانية أو مستسلمة عاجزة عن الدفاع عن نفسها، لذلك بات واضحا وجليا ضرورة العودة إلى التكفل النفسي بغية استرجاع الاتزان النفسي بعيدا عن النرجسية والتطرّف في مختلف صوره.
نحتاج اليوم إلى جانب دولة قوية بمؤسساتها تبسط القانون كلغة وحيدة في مختلف التعاملات، تبحث في مكنونات المجتمع لتجد الطريق معبدا لتغييره نحو الأفضل، حقيقة إن السياسة تصنع مستقبل الأمم لكن المجتمع في جوهر تطبيقاتها وسر نجاحها، على السياسيين وضع قبعة السياسي جانبا وارتداء قبعة الباحث عن صناعة مجتمع سوي ومعتدل في سلوكيات أفراده، يؤمن في جوهره بأنه القوة التي تجعل المستحيل ممكنا، فما قوة اليابان أو الألمان إلا منتج اجتماعي بحت، لأن الفرد السوي يمكنه استيعاب مسؤوليته الاجتماعية في صناعة الغد.
ربما يظن البعض، أن عشر سنوات هينة مقارنة بحياة المجتمعات لكن الواقع يؤكد أن آثارها تمتد لأجيال وأجيال، لذلك وعوض الاستكانة إلى تفسير الفعل الإجرامي معزولا عن المجتمع ينبغي وضعه في سياقه الاجتماعي، من أجل تدارك ما يمكن تداركه، فعندما تعرف الجزائر حربا قذرة طوال سنوات تلذذ فيها الارهابيون بمختلف أصناف التعذيب والسادية، ستكون الجرائم التي يتلذّذ فيها القاتل بتنكيل جثة قتيله حتى بعد مفارقته الحياة أهم آثارها.
أما عندما تكون الجريمة وسط جموع من الناس في وضح النهار وصلت إلى حدّ أخذ صور سيلفي مع الجثة المتفحمة، فمعناه أننا ملزمون بالتحرّك وعدم الاكتفاء بتحرك الجهات القضائية، لأن دورها بسط القانون وهيبة الدولة، أما المجتمع فبحاجة إلى تحرّك تصنعه مختلف شرائح المجتمع انطلاقا من الأسرة ووصولا إلى النخبة.