يحرقون غابة أو إنسانا، لكنهم لن يحرقوا وطنا، هي الثابت إثر ما عاشته قرى ومداشر ولاية تيزي وزو الشهيدة، حيث التحمت فيها مثل الأمس الإرادة الوطنية المعبر عنها في كل جهات ومناطق الوطن الجريح، عنوانها إطفاء نيران أتت على الأخضر واليابس وإسكات فتنة كان أعداء الجزائر يحضرون لها لأغراض مفضوحة.
الوحدة الوطنية، الرباط المقدس الذي يجمع الجزائريين أبًا عن جدّ، هي الشجرة التي تحدّت الحرائق الإجرامية، لتبرز من دخان تلك الجبال ذات التضاريس الوعرة، مذكرة القاصي والداني بأن هذه التربة، الطاهرة، المسقية بدماء مليون ونصف مليون شهيد، تلعن كل من عاداها وتنكّر لخبزها وأديمها وهوائها ومائها وظلها أو تآمر عليها.
أبواق في الخارج، راحت تستثمر بلا خجل في المأساة، تروج لمشاريع هدامة وتخريبية، جنّ جنونها بعد أن شاهدت مخططات الخيانة المحبوكة في مخابر بقايا الاستعمار، تحترق مع جرائم أصحابها وصعقتهم تلك الوقفة التضامنية الرائعة والفريدة للشعب الجزائري، متجاوزا كل الآلام والآهات، ليقف رجلا واحدا، صلبا، يواجه كارثة مؤلمة ومدمرة بصبر وثبات ملتحما مع مختلف الشركاء والمؤسسات، متجاوزا الظرف وتراكمات الماضي لشق طريق الأمل وسط دخان كثيف بدأ ينقشع حتما، وسينقشع لا محالة.
ما جرى باغتيال مواطن بداعي الشبهة، بالتأكيد هو عمل معزول لا يتحمّله سكان منطقة لها سجل تاريخي حافل بالبطولات، كتبه الأسلاف الأشاوس لما قاموا ضد الاحتلال الفرنسي وكسروا ظلم العملاء.
أكثر من هذا، موقف والد الضحية كان درسا أصيلا تتناقلُه الأجيال، موقّعا بذلك بأحرف من ذهب على سجل الوحدة الوطنية، واثقا في جلب الدولة للمجرمين، وكشف خيوط الجريمة، ومن ثمة فإن ما يسعى إليه دعاة التفرقة والتخريب، لن يمر، لأن أوراق لعبتهم مكشوفة.
وعلى الرغم من كل ما حدث، ستزهر الطبيعة مجددا وستنمو الغابات المحروقة، عنوانا للسلم والوحدة بحيث تستظل تحتها الأجيال في طمأنينة، رسمت معالمها، مرة أخرى، صور رائعة للتضامن والتكافل والالتفاف حول بعضنا البعض، أمر يرفع دائما مكانة الجزائري لدى الشعوب الأخرى ويمنحه المناعة في مواجهة دسائس البعض ومؤامرات البعض الأخر، تنكسر حتما على حجر الوحدة الوطنية.