تحدّثت الدّراسات الاستشرافيّة في نهاية الثمانينيات، عن الواقع الجديد الذي تصنعه العولمة. وكان ممّا ركّزت عليه، مفهوم «المواطن العالمي» الذي توقّع له أغلب الدّارسين أن ينبثق مع تلاشي الحدود في زمن السّماوات المفتوحة، والاتصال المباشر مع جميع أنحاء المعمورة..
ولم يكن في الحسبان أن تستقرّ فكرة «المواطن العالمي» بالشّكل الذي نعيش اليوم، فقد ألقت إلينا بصور عجيبة لمواطنين من كلّ أنحاء العالم، يبكون بكاء مرّا، لأنّ لاعبهم المفضّل ليونيل ميسي، انتقل من برشلونة إلى باريس..
ولقد كنّا نعتقد أن حكاية (البكاء) و(العويل) لم تكن سوى تدبير تسويقي اعتمده منادجير ميسي لغايات تجارية محضة. غير أنّ «البرشلونيين» الذين صادفناهم، ضربوا بقراءتنا عرض الحائط، وصاغوا صورا مذهلة عن إشفاقهم وحزنهم لمغادرة «السّاحر ميسي» فريقهم!!. ولقد تحدّث الجميع، وهم يذرفون الدّمع حارّا، عن الخيبة التي يحسّون بها، والفراغ الذي سيلقي بـ»فريقهم!!» إلى المجهول.. بل إنّ فيهم من «ندّد» و»استنكر» و»شجب» إلى درجة تجعل من يستمع إليه، يحسّ بأنّ «البارصا» ولدته وأرضعته..
ولعل يكون واضحا أنّ أنصار البارصا عبّروا بـ»صدق» عمّا اختلج في جوارحهم، تماما مثل صدق أنصار «الرّيال» في التّعبير عن روح عال من «التّشفّي»، وهذا ما يعني أنّ مفهوم «المواطن العالمي»، لم يتوقف عند حدود الإحساس بالقرب من الآخر، والتّعامل معه بندّيّة، ولكنّه بلغ درجة عالية من التّماهي والذّوبان، وهو يمتدّ إلى تعديل مفهوم «الهويّة» في ذاته، ولسنا نعرف إن كان التاريخ سيحتفظ لنا بـ»مواطن» يعيش العالم، ويحسّ بخاصة نفسه..
يبدو أنّ نصائح المفكّرين التي ذهبت أدراج الرياح، تعود اليوم بقوة لتقرع الأسماع بوصايا (الإفادة من الآخر وعدم الذّوبان فيه)، ونعلم أنّها لن تجد من يسمعها، والله يرحم صاحب المثل الجزائري القائل: اللي ما يسمع راي كبيرو.. الهمّ تدبير و..