تخوفت كثيرا من الكتابة في هذا الظرف الصعب لما يقع على كاتب الكلمة من مسؤولية كبيرة، لأنها كالسيف بل في مثل ما نعيشه هذه الأيام من تسارع خطير في الاحداث، هي أشد حدة وفتكا منه، لكني استطعت تجاوز الامر لسبب واحد ووحيد هو رباطة جأش وصبر والد جمال بن سماعيل، فما قاله منذ وفاة ابنه المغدور محسوب بدقة متناهية يعجز امامها أي «صائد» في المياه العكرة من توظيف تصريحاته لخدمة خطاب الكراهية والفرقة، لفتح باب الفتنة التي عرَّفها القرآن الكريم بانها أشد من القتل بل أكبر منه.
استطاع هذا الرجل تجاوز حزنه والتحكم في ألمه للوقوف أمام طوفان جارف هو أعظم وقعا من الفيضانات والحرائق والأوبئة، فما تعيشه الامة الإسلامية من الانقسامات هو ثمن تدفعه الأجيال بسبب تداعيات الفتنة الكبرى التي وقعت منذ أكثر من ثلاثة عشر قرنا، هو خير دليل لما تُحدثه الفتنة من تصدعات داخل المجتمعات، بل كانت سلاحا ثمينا في يد أعدائهم، لذلك جنَّب هذا الرجل الجزائر فتنة كانت ستبقى هزاتها الارتدادية لأجيال متعاقبة قد تنتهي بما هو أسوأ.
كان الاختبار والامتحان عظيما لكنه قدّر خطورة الوضع وما يحاك من مؤامرة خبيثة من وراء الجريمة المروعة، وضع أبوته جانبا ليتحدث باسم الجزائري الذي يضحي بالغالي والنفيس من اجل الجزائر، لم يطلب سوى جثة ابنه ليكرمها بالدفن، أما الباقي فكان خارج حساباته لان الأهم حفظ المجتمع من الانقسام خاصة وان «حاملي» البنزين لإذكاء نار الفتنة على أُهبة الاستعداد لإفراغه على كل ما يمكنه ان يلتهب.
الأكيد ان والد المغدور واجه الفعل الاجرامي بصلابة كبيرة تعجب منها الكثيرون لكن ذلك لا يعني أبدا تصنيف الجريمة كـ»قضية مفصولا فيها» لان من أحرقوا جثته أحرقو القانون والعدالة أيضا، لذلك جاء خطاب رئيس الجمهورية حاسما وفاصلا في ألا أحد فوق القانون، ولا أحد يستطيع تنصيب نفسه جلادا في دولة لها هيبتها ومؤسساتها الساهرة على تحقيق العدالة.