كل من يتابع تطوّر الوضع في أفغانستان ،يطرح نفس السؤال «هل سيكرّر التاريخ نفسه لتعود طالبان إلى الحكم الذي فقدته إثر التدخل العسكري الأمريكي في أعقاب تفجيرات مركز التجارة العالمي بنيويورك في 11 سبتمبر 2011»؟.
السؤال يبدو مشروعا بالنظر إلى التقدّم الذي تحرزه هذه الحركة التي استغلّت الانسحاب العسكري الأمريكي لتحكم قبضتها حتى الآن على 17 من أصل 34 ولاية أفغانية، ،وهي تهدد حالياً العاصمة كابول التي لم يعد يفصلها عنها سوى 150 كلم لتعيد المشهد الذي حدث في سبتمبر 1996 حين سقطت العاصمة الأفغانية في يد هذه الحركة التي تكونت في أوائل تسعينات القرن الماضي، بعد الحرب الأهلية التي أعقبت انسحاب القوات السوفياتية في عام 1989 ، وبرزت إلى الواجهة داخل البلاد عام 1994 وتولى الملا عمر زعامتها، و لما سيطرت على السلطة ،تعهدت بمحاربة الفساد وإحلال الأمن، واعتبرها الشعب الأفغاني في ذلك الوقت أمله المنقذ من الاحتراب الداخلي و من انشطار البلاد ، لكن عناصرها اتبعوا نمطاً متشدداً صارماً شهد فصولاً من العنف ،فتحوّلت إلى عبء على الأفغان ،كما باتت منبوذة من العالم أجمع لما كانت تبثه من صور مريعة عن ممارسات لا إنسانية كتنفيذ أحكام الإعدام بطريقة استعراضية بشعة باسم الدين خاصة ضد النساء ،و لم تسلم منها حتى الآثار ، إذ لن يمحو العالم من ذاكرته تفجيرها لتمثالي بوذا الضخمان اللذان ظلا مند القرن الخامس يحرسان وادي باميان الخلاب فصمدا في وجه غزوات المغول وأهوال الطقس و الطبيعة إلى حين وصول حركة طالبان التي لم تتردد في القضاء على هذا الكنز الأثري القديم.
بعد الهجمات على مركز التجارة العالمي بالولايات المتحدة في الحادي عشر من سبتمبر 2001 دخلت حركة طالبان بؤرة اهتمام العالم، واتهمت بتوفير ملاذ آمن في أفغانستان لزعيم تنظيم القاعدة الإرهابي الراحل أسامة بن لادن وأعضاء التنظيم الذين اتُّهموا بالمسؤولية عن هذه الهجمات ،وقامت واشنطن بغزو أفغانستان في أكتوبر من نفس السنة للإطاحة بطالبان، ومع حلول نوفمبر من عام 2001 سقطت العاصمة كابول في يد تحالف قوات الشمال، ولم ينتهِ هذا الشهر حتى سقطت مدن أفغانستان من يد هذه الحركة التي توارت بعض الوقت عن المشهد العالمي لتعود بقوّة هذه الأيام مهدّدة بالاستيلاء على العاصمة كابول و من خلال ذلك العودة مجدّدا إلى سدّة الحكم ،و قد تحقّق طالبان مبتغاها بسهولة بالنظر إلى الانتصارات السريعة و السهلة التي تحقّقها ميدانيا ، و هذا التقدّم العسكري المفاجئ يطرح علامات استفهام كثيرة قد لا تكون الإجابة عنها في المتناول حاليا ، كيف عادت طالبان إلى حمل السلاح و خوض القتال و هي تشارك في مفاوضات سلام ترعاها أمريكا بالدوحة؟، لماذا تعجز القوات الأفغانية عن مواجهتها لتسقط محافظات البلاد أمامها كما تسقط أحجار الدومينو؟، من أين تستمدّ طالبان قوّتها و ما هي الجهات التي تدعمها ؟، لماذا لا تتراجع أمريكا عن انسحابها العسكري أمام التطورات الخطيرة التي تواجهها أفغانستان؟، و يبقى السؤال الجوهري «إذا كانت أفغانستان ستعود إلى حكم طالبان و إلى الحرب و الاقتتال ، فما جدوى التدخل العسكري الأمريكي الذي استمرّ 20 عاما في هذه الدولة التي لا تغيب عنها الحروب؟