بغض النظر عن مسمى ما يجري في تونس، فالأكيد أنه لم يحدث صدفة ولا برغبة أحادية من الرئيس قيس سعيد قصد الانقلاب على الدستور أو الإمساك بخيوط الحكم بين قبضته كما يزعم من يريدون إجهاض مسار التغيير الذي تخوضه هذه الدولة بخطوات ثابتة نحو النجاح برغم ما تعترضها من مشاكل وتحديات.
ما تعيشه الشقيقة الشرقية منذ أسبوعين، كان نتيجة حتمية لوضع استثنائي وانسداد سياسي جمّد كل مؤسسات الدولة وحبس أنفاس الشعب التونسي الذي وجد نفسه محاصرا بتجاذبات سياسية أخذت تتحول إلى صراع محموم بين الرئيس، ورئيس الوزراء والبرلمان، الأمر الذي أربك العملية الديمقراطية النموذجية التي صنعها هذا الشعب بفضل تضحياته خلال “ثورة الياسمين” ما انعكس سلبا على الوضع الاقتصادي ومنه الاجتماعي حيث باتت حياة التونسيين بالفعل شاقة وصعبة، خاصة مع الضائقة التي تفرضها الأزمة الصحية.
لقد دخلت تونس منذ أزيد من سنة انسدادا سياسيا خانقا، ولم توفّق كل المحاولات والمساعي لتجاوز الأزمة السياسية التي تمخّضت عن أطماع سلطوية تغذّيها كالعادة أطراف خارجية، خاصة مع التعنت الذي يبديه هذا الطرف وذاك، لهذا جاءت قرارات سعيّد كرشّة ماء صاقع حتى يستفيق الجميع ويدركوا بأن تونس باتت على خطوات معدودة من الهاوية، وكان من الضروري إنقاذها، وهو على ما أعتقد ما فعله الرئيس سعيّد الذي اختار أن يتحرك وفق ما تقتضيه المادة 80 من الدستور لتصحيح وضع مختّل، وإعادة قطار الانتقال الديمقراطي إلى سكته الصحيحة للتفرغ لحل الأزمات التي تواجهها البلاد.
وإذا كان معارضوه يصفون حركته التّصحيحية بالانقلاب، فالأمر مخالف لذلك تماما، لأن سعيّد علّق عمل البرلمان لمدة شهر فقط، ومعلوم أن هذا البرلمان كان شبه معلّق بفعل الصراع الذي كان يهز أركانه جراء الخلافات الحزبية، كما أنه تعهد بمحاربة المفسدين وإعادة الأموال المنهوبة دون أن يتحول إلى دكتاتور.
تونس التي قادت التغيير العربي في 2011 لم تجد طريق الانتقال الديمقراطي مفروشا بالورود، وما يعترضها من تحديات ومصاعب لا يجب النظر إليه كخطيئة أو جريمة، فالتعثّر قد يحصل لأنجح الثروات، فقط يجب الالتفات إلى حتمية كبح تصعيد الأزمة، والعمل بدل ذلك على توحيد الصفوف، والالتفاف حول هدف واحد وهو قيادة تونس نحو الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ولا شك أن قرارات سعيد التي تلقى تأييد التونسيين، ستنجح في تجاوز هذه المرحلة الحساسة بأقل الخسائر، ليعود قطار التغيير إلى سكته الصحيحة، وقد أظهر الشعب التونسي في أكثر من مناسبة كيف يتجاوز مصاعبه ويحوّلها إلى انتصارات.