غالبا ما ترسخت فينا صورة نمطية للبطل لا تخرج تفاصيلها عن جندي مغوار تصنع شجاعته وجرأته على مواجهة الأخطار فارقا في تحقيق النصر، أنصفهم التاريخ بتسجيل أسمائهم بحروف ذهبية لتبقى خالدة حتى فناء الإنسانية، معارك الحياة وضعت سلاح المدافع والرشاشات جانبا لترفع أشد أنواع الأسلحة فتكا ودمارا، تتغلغل داخل المجتمعات لتضرب أساساتها القاعدية في حرب ضبط صوتها على «صامت»، لا يمكن التفطن لها إلا عندما تتداعى أسس المجتمع وتتفكّك.
لذلك، نحن اليوم أمام رهان بطل يتلاءم وظروف الحرب الراهنة سواء كانت سيبرانية أو تكنولوجية علمية، فالعلم سلاح لا تضاهيه دمارا حتى القنبلة الذرية، فالمعجزة اليابانية أثبت إن خراب قنبلتين ذريتين ضربت بهما مدينتي «نكزاكي» و»هيروشيما» في 1945 يمكن محوه وتجاوزه في أقل من خمسين سنة، لأنها تمتلك سلاح العلم القاهر افتك الأسلحة وأقواها، الإنسان إذا هو البطل الحقيقي ومعجزة اليابان لن تكون صناعة الكترونية أو ميكانيكية بل صناعة بطل من إنسان كسرته هزيمة حرب عالمية ثانية وقنبلة ذرية متوحشة.
ما نحتاجه اليوم، إتقان صناعة البطل كل في المجال الذي يعمل فيه بل حتى وإن كان عاطلا عن العمل أو طفلا يدرس في مختلف الأطوار التعليمية، علينا أن نجعلهما يقومان بأفضل ما يملكانه من قدرات، لأنها الطريق الوحيد لتحقيق مشروع أمة قوية، فحسن التخطيط يستدعي غرس الروح القيادية في تربة غنية اسمها الطفل قبل تعليمه النطق حتى
بناء الفرد إذا هو أول خطوة في صناعة البطل وهو بالضبط ما كشفت عنه الأزمة الصحية الاستثنائية، سواء في كل ما يقدّمه الجيش الأبيض من تضحيات أو ما يفعله المواطن البسيط من تبرعات من أجل الوقوف وقفة رجل واحد لتجاوز مرحلة الخطر، فالمواطن البسيط استطاع رغم تكوينه المحدود أن يكون بطلا بتضامنه مع مجتمعه، ليكون بذلك الجندي المجهول الذي تخلده الأمم.