عرفت مؤسسات الثّقافة ببلادنا كيف تتجاوز محنة الجائحة، فقد استغلّت الإمكانات التّكنولوجيّة في تسيير نشاطاتها على منصات التّواصل الاجتماعي بكفاءة عالية، وفسحت المجال للنشاطات التي كانت حكرا على المسارح والمنتديات المغلقة، لتكون في متناول الجميع بمجرّد نقرة على رابط، دون حاجة إلى البحث عن وسيلة نقل، ولا اللّهث لأجل الحصول على مساحة في (باركينغ)، ولا حتى (باركينغور) ينغّص اليوم بطوله وعرضه..
ولقد أحسن المسرح الوطني محي الدين بشطارزي، بتخصيص شهر أوت الجاري لعرض مسرحيات جزائرية رائدة، بينها «الشهداء يعودون هذا الأسبوع»، و»قالوا العرب قالوا»، وأعمال أخرى سيكون لها متابعوها بالتأكيد، ثم أحسن المسرح الوطنيّ مرة أخرى، حين أعلن عن تزيين نشاطاته بأمسيّات أدبية وفكرية ينشّطها كتّاب وفنانون، فلا يتوقف النّفع عند حدود العاصمة وما جاورها، وإنّما يمتدّ إلى كلّ أرجاء القطر، بل يتجاوز إلى كل أنحاء المعمورة..
ولم تكن فكرة «النشاط الثقافي الافتراضي» لتفرض نفسها، لولا «كوفيد» (اللعين)، فهذا، على ما يتمتع به من «شرّ منقّح»، كان له نفعه الخاص للنّشاط الثقافي، والملتقيات العلميّة، وسمح لرواد أنترنت بتجاوز السّطحية التي هيمنت على التعامل مع العالم الافتراضي، إلى البحث عمّا ينفع، والإفادة من كل ما يمكن أن يجود به العالم..
هكذا الحياة بطبيعتها، وما نعتقد أنّه الشّر الخالص، يمكن أن نستخلص منه خيرُه. فـ»الحياة» في أصلها تتأسّس على الجدل، وتنتقل من حدّ إلى حدّ آخر يناقضه، كي تصطنع اللحظة الجدلية التي تحفّز العقل على تجاوز التناقض، وتقدّم الحلول الممكنة في الواقع الصعب الذي يبدو متعاليا على كل الحلول، وليست النشاطات التي تحرّكها مؤسسات الثقافة ببلادنا، سوى صورة نموذجية رائعة عن إرادة قويّة تسعى إلى الأفضل.. وستقطف المفيد رغم أنف «كوفيد»..